في الآونة الأخيرة، وثّقت منظّمة أمريكيون من أجل الديمقراطيّة وحقوق الإنسان في البحرين قضيّة اختفاء قسري تشكّل مثالاً دراماتيكياً لممارسات الدولة البحرينية. إنّ عمليات الإختفاء القسري التي تمارسها الدولة البحرينيّة هي مجموعة أساليب لإنتهاكات حقوق الإنسان التي أصبحت متكررة في السنوات الأخيرة. اختفى سيد علوي حسين من عمله في 24 تشرين الأول/أكتوبر 2016، وعرفت عائلته لاحقاً أنه احتُجِز من قبل أشخاص حكوميين – ولكن دون إخباره عن مكان احتجازه، وقامت جميع الوكالات الحكومية بنفي تورّطها بهذا الموضوع ومعرفتها بمكان وجوده. كثيراً ما يتم احتجاز مواطنون بحرينيون مثل سيد دون وجود سبب أو أمر، ويقومون بإخفائهم عادةً في مديرية التحقيقات الجنائية إضافةً إلى تعريضهم لعدة أيام أو حتى أسابيع من المعاملة السيّئة قبل إعادة إظهارهم في السجون و/أو في قاعات المحكمة. تظهر حادثة سيد علوي هذا النمط المُعتمد بشكل دائم، ولكن وضعه كان أكثر فظاعة إذ أنه بقي محتجزاً بمعزل عن العالم الخارجي لفترة ما يقارب النصف عام. إنّ ظهور حالات اختفاء قسري طويلة الأمد في البحرين سيشكّل ازدياداً مرعباً لحالات القمع.
تفاصيل القضيّة
شوهد سيد علوي آخر مرة في 24 أكتوبر من العام الماضي في مكان عمله، حيث يعمل كمفتّش في شركة البحرين للاتصالات. تشير المعلومات التي جمعتها منظّمة أمريكيون من أجل الديمقراطيّة وحقوق الإنسان في البحرين إلى قيام رجال مسلحين يرتدون ملابس مدنية بأخذه من موقع عمله. في البيئة الاجتماعية الخاضعة للرقابة الصارمة في البحرين، لا يمكن أن يكون هذا العمل سوى عمل أشخاص حكوميين.
عندما لم يعود سيد إلى المنزل أو لم يجيب على اتصالاته في ذلك المساء، اضطرت أسرته إلى العيش في ظل قلق ومخاطر من أجل معرفة ما حدث له. ذهبوا إلى أقرب مركز للشرطة في ليلة اختفائه من أجل تقديم بلاغ عن مفقود. تواصلت الشرطة مع وكالات أخرى ثم أخبرت عائلة سيد علوي بأنّه غير موجود لدى أي من هذه الوكالات ولا في أي مكان يعرفونه. بعد أقل من ساعة من مغادرتهم لمركز الشرطة، تلقّت عائلة سيد مكالمة من الشرطة تخبرهم بأن عليهم العودة والتراجع عن بلاغهم لأن سيد كان محتجزاً لدى مديرية التحقيقات الجنائية. فعلوا كما قيل لهم، ولكن لم يسمح لهم بالتحدث إليه عبر الهاتف ولم يُقدّم لهم أي معلومات عن كيف ومتى يمكن رؤيته. كانت المعلومات الوحيدة التي قدمتها الشرطة هي أن سيد قد أخذ من قِبل مديرية التحقيقات الجنائية إلى حي في عاصمة البحرين المنامة يسمّى بالعدليّة.
في اليوم التالي، قدمت عائلة سيد شكوى إلى الأمانة العامة للتظلّمات التابعة لوزارة الداخلية، وهي أحد أكثر مؤسسات حقوق الإنسان والإصلاح غير الفعالة في البحرين. بما أنّ وزارة الداخلية هي المسؤولة عن مديرية التحقيقات الجنائية، تم توجيه التحقيق إلى المكان الصحيح كما قالت الشرطة، إذ أنّ سيد علوي محتجز من قبل تلك المديرية. تلقّت الأمانة العامة للتظلّمات الشكوى، ولكن على الرغم من قيام عائلة سيد علوي بالمتابعة المتواصلة للموضوع، لم يكشف أبدا عن أية معلومات موضوعية عن مكان سيد علوي أو ما قد حدث له.
وفي اليوم التالي، أي يومين من إختفائه، قرّرت عائلة سيد علوي أن تذهب بمفردها إلى مديرية التحقيقات الجنائية في العدلية. ( نظراً إلى أن مديرية التحقيقات الجنائية معروفة باستعمالها للتعذيب، فمن المؤكّد أنّ هذا الأمر تطلّب منهم شجاعة كبيرة). وقد نفى الموظفون هناك نفياً قاطعا قائلين أنّ السيد علوي غير محتجز لديهم كما قالت الشرطة.
بعد حوالي الأسبوع من عدم وجود أخبار من الشرطة أو من الأمانة العامة للتظلّمات أو أي مركز حكومي مسؤول عن هذا الموضوع، عادت الأسرة إلى مديرية التحقيقات الجنائية للضغط عليهم مرة أخرى من أجل الحصول على معلومات. هذه المرة رفض المسؤولون هناك تأكيد أو إنكار إذا كان سيد علوي مسجون عندهم.
وبعد يومين، اتصلت مديرية التحقيقات الجنائية بعائلة سيد علوي وأبلغتهم بأن سيد قد نُقِل إلى “الحوض الجاف”، وهو مرفق احتجاز معروف في البحرين. قيل لأسرته بأنّه عليهم الذهاب إلى هناك في 6 تشرين الثاني/نوفمبر، وسيسمح لهم برؤيته – للمرة الأولى بعد أسبوعين من اختفائه تقريباً.
وذهبوا في 6 تشرين الثاني/نوفمبر كما قيل لهم ولكن المسؤولون في السجن قالوا بأنّه ليس هناك أحد يدعى سيد علوي محتجز لديهم.
وفي اليوم التالي تلقّت عائلته معلومة من محامي، تقول بأن سيد قد أُحضر إلى مكتب المدعي العام وأنّه في الواقع محتجزاً في الحوض الجاف. لذلك في اليوم التالي، ذهبوا مرّة أخرى إلى الحوض الجاف؛ وقيل لهم مرة أخرى بأنّ سيد علوي ليس هناك. توجهت عائلته فورا إلى مكتب المدعي العام، حيث لم يتم التعاون معهم مرةً أخرى. بيد أنّ أحد الموظفين كان مستعداً لإخبارهم بأن سيد علوي كان تحت سلطة قسم الجرائم الإرهابية التابع للمدّعي العام. وأرسلوا رسالة لذلك القسم طالبين فيها زيارة عزيزهم المختفي سيد علوي، ولكن كان ذلك بدون.
وأخيرا، في نهاية تشرين الثاني/ نوفمبر، وبعد أكثر من شهر من اختفائه، اتصل سيد علوي بأسرته، من الأسر، من رقمٍ مغلق. لم يسمح له بالتحدث إليهم حتّى لمدة خمس دقائق، وعندما سألوه عن مكانه استطاع فقط أن يقول “مع التحقيقات [أي مديرية التحقيقات الجنائية]”. تلقوّا مكالمة أخرى منه بعد حوالي نصف شهر، ثم تبعه اتصال ثالث بعد شهر ونصف. لم تستغرق أي من المكالمات عشر دقائق، ولم يتمكن سيد علوي أن يخبرهم عن مكانه أو متى بمكنهم زيارته. في الواقع، بدا لعائلته أنّه كان يُجبَر على إنهاء المكالمة فور توجُّه المحادثة نحو مكان تواجده وماذا يحدث له.
لم تتكلّم معه عائلته منذ نهاية شباط/فبراير. خلال الأشهر الخمسة والنصف على اختفائه، لم يتاح لهم مكالمته لمدة نصف ساعة على الهاتف. من المعروف أنه في أيدي الدولة، ولكن غير معروف أين وفي أي وضع، أو لأي سبب. في حين أنه لا شك بأنّه هناك بعض الراحة الصغيرة جدا في معرفتهم بأنه على قيد الحياة (على الأقل اعتبارا في آخر مكالمة هاتفية لهم)، إلّا أنهم لا يعرفون كيف يتم معاملته ولا يجول في بالهم سوى التخيل الأسوأ. وبالنظر إلى سجل مديريّة التحقيقات الجنائية، فإن الصورة المُتخيّلة ليست مطمئنة. ليس هناك ما في وسعهم للقيام بمساعدته أو حتى لرؤيته. هذا هو الاختفاء القسري.
عدم قانونية الاختفاء القسري
وصف القاضي أنطونيو أوغوستو كانشادو ترينداد، الرئيس السابق لمحكمة الدول الأمريكية لحقوق الإنسان و عضو في محكمة العدل الدولية، الإخفاء القسري بأنه “من انتهاكات حقوق الإنسان الأكثر قسوة وفساد.” [1] على الرغم من أن هذه العملية كانت تمارس من قبل الأنظمة القمعية في الماضي البعيد، إلّا أن الإخفاء أصبح عمل معروف في القرن العشرين كسياسة من ألمانيا النازية. وفي ظل ما يعرف بمرسوم “الليل والضباب”، [2] تم إخفاء منشقين معتقلين عمداً من أجل زرع الرعب في المجتمع بأسره. “الردع الفعال والدائم” للمعارضة المدنية، كما ذكر في المرسوم، “لا يمكن أن تحقيقه إلاّ من خلال اتخاذ تدابير من شأنها أن تترك الأسرة والسكان غير مؤكدين بشأن مصير المذنب”. [3] أشارت النازية البيروقراطية إلى أن “المرسوم يقدم ابتكارا أساسيا” [4]: “(أ) سيختفي السجناء دون ترك أي أثر و (ب) لن يتم تقديم معلومات عن مكان وجودهم أو مصيرهم “. وكان من المتوقع أن يكون لهذا التصرف “السريّ” مع غياب “الإجراءات الجنائية” المعروفة علناً، “الأثر الرادع اللازم”. [5] وكان “عدم اليقين بشأن مصير السجناء بين أقاربهم ومعارفهم” [6] يزرع مخاوف الرعب. وتصدّر الاختفاء القسري مرة أخرى طليعة السمعة السيئة عندما اجتاح بغزارة آفة من أمريكا اللاتينية في السبعينات، من غواتيمالا إلى شيلي.
يؤدي الإختفاء القسري إلى إنتهاك عدد كبير من حقوق الإنسان في آنٍ واحد. فهو ينتهك على الأقل الحق في “الحرية والأمن الشخصي” [7] و”المعاملة الإنسانية وإحترام الكرامة المتأصلة في الإنسان” [8]والحق في “الإدراك كشخص أمام القانون” [9] والحق في “الحضور فوراً أمام قاضٍ للمحاكمة في غضون فترة زمنية معقولة” [10] والمثول أمام المحكمة [11] و”الإتصال بمحامٍ يتم إختياره بشكل فردي” [12] و الدفاع عن نفسه قانونياً بمساعدة المحامي [13] و “أن يُفترض الشخص بريئاً حتى تثبت إدانته وفقاً للقانون [14] والحق في “محاكمة عادلة وعلنية من قبل محكمة مختصة ومستقلة ونزيهة منشأة بموجب القانون،” [15] و”الحصول على الشهود وفحص الأدلة نيابة عنه”[16]. و ينتهك الإختفاء القسري الحظر المفروض على “الإعتقال أو الإحتجاز التعسفي”[17] و على “المعاملة القاسية واللاإنسانية” [18] ويتجاوز على الأقل عتبة “الألم أو المعاناة الشديدة” في التعريف الدولي للتعذيب [19]. ويتجاهل الإختفاء التعليمات التي تفيد بأن نظام السجون هو السعي إلى “الإصلاح وإعادة التأهيل الاجتماعي” [20]، و”يحق [للأسرة] أن تحميها … الدولة” [21]. كما أن ذلك ينتهك واجب الدولة “بإحترام وضمان” حقوق “جميع الأفراد … الخاضعين لولايتها” [22] وينتهك الحظر على التمييز [23] حيث أنه يمارس الإختفاء على أساس تمييزي للرأي السياسي (المدرك) كحدٍ أدنى (بينما كثيراً ما يتداخل مع التعصب العرقي والاجتماعي). كذلك ينتهك الإختفاء بشكلٍ دائم واجب إصلاح الأخطاء [24] لأن جوهر الاختفاء هو الإحتجاز التعسفي غير المرتبط بأي آلية ممكنة للمساءلة. كما أن جريمة الاختفاء القسري جديرة بالملاحظة لإنشاء مجموعة من الضحايا الثانويين تتألف من أحباء الأشخاص المخطوفين الذين يتعرضون أيضاً للمعاملة القاسية واللاإنسانية (ويمكن القول مرة أخرى، للتعذيب العقلي) لأنهم محرومون من أي معرفة معنية بمصير المخطوف.
والطبيعة القانونية الأساسية للاختفاء القسري هي إزالة الشخص من مجال الحماية. وهذا هو الغرض منه قانونياً، بالإضافة إلى هدفه الإجتماعي بنشر الرعب. ولذلك فقد اتفق الفقهاء الدوليين على أنه ممارسة ضارة. وقال القاضي ترينداد: “في أيامنا، لا أحد يجرؤ على إنكار عدم الشرعية الموضوعية للاختفاء القسري”. [25] واستناداً إلى تاريخ أمريكا اللاتينية، التي يمكن القول إن لديها أكثر التجارب شمولية في مجال الاختفاء القسري، ينبغي أن تحمل هذه الكلمات وزناً كبيراً. ونظراً لأعمال البحرين، ترينداد قد تكلّم للأسف في وقت مبكر جداً. وإن كانت قضية السيد علاوي مؤشراً، يبدو أن البحرين تعتبر الاختفاء جزء من قانون الأرض.
[1] Antônio Augusto Cançado Trindade, “Enforced Disappearances of Persons as a Violation of Jus Cogens: The Contribution of the Jurisprudence of the Inter-American Court of Human Rights,” Nordic Journal of International Law, vol. 81 (2012), no. 4, pp. 507-36, at p. 508.
[2] See International Military Tribunal (IMT), Trial of the Major War Criminals Before the International Military Tribunal (14 November 1945 – 1 October 1946), vol. IV, Proceedings: 17 December 1945 – 8 January 1946 (Nürnberg: IMT, 1947), p. 271, remarks of 2 January 1946 by U.S. prosecutor Col. Robert Storey.
[3] Order of 12 December 1941 signed by head of the Armed Forces High Command Wilhelm Keitel, excerpt translated in ibid., p. 272.
[4] Letter of 2 February 1942 on stationery of S.S. chief Heinrich Himmler’s office, excerpt translated in ibid.
[6] Letter of 24 June 1942 from Chief of Security Police and the Security Service Reinhard Heydrich, excerpt translated in ibid., p. 274.
[7] International Covenant on Civil and Political Rights, text adopted 16 December 1966, United Nations Treaty Series, vol. 999 (1976) (New York: United Nations, 1983), treaty no. 14668, pp. 171-86 (henceforth cited as “ICCPR”), Art. 9.1, at p. 175. Bahrain signed on to the Covenant in 2006. Idem, vol. 2386 (2006) (New York: United Nations, 2010), p. 288.
[10] Ibid., Art. 9.3, p. 175, and accord Art. 14.3(c), p. 177 (right “[t]o be tried without undue delay”).
[11] Or, in the language of international law: “Anyone who is deprived of his liberty by arrest or detention shall be entitled to take proceedings before a court, in order that that court may decide without delay on the lawfulness of his detention and order his release if the detention is not lawful.” Ibid., Art. 9.4, p. 176.
[12] Ibid., Art. 14.3(b), p. 177.
[14] Ibid., Art. 14.2, p. 176.
[16] Ibid., Art. 14.3(e), p. 177.
[19] Convention Against Torture and Other Cruel, Inhuman, or Degrading Treatment or Punishment, text adopted 10 December 1984, pp. 113-22 in United Nations Treaty Series, vol. 1465 (1987) (New York: United Nations, 1996), Art. 1.1, at p. 113.
[20] ICCPR, Art. 10.3, p. 176.
[21] Ibid., Art. 23.1, p. 179.
[23] Ibid., Arts. 2.1 and 26, pp. 173, 179.
[24] Ibid., Arts. 2.3 and 9.5, pp. 174, 176.
[25] Trindade, op. cit., p. 536.