نظمت منظمة “أمريكيون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في البحرين” ADHRB جلسة تقاش موسّعة في الخميس 9مارس 2017 ، تحت عنوان “الحقوق الثقافية والدينية في المملكة العربية السعودية”. طرحت النقاشات التي جاءت على هامش أعمال مجلس حقوق الإنسان في دورته الرابعة والثلاثين ، والحالة الحرجة التي وصلت إليها الحقوق الثقافية والحريات الدينية في السعودية .
شارك في الجلسة تايلور بري عن منظمة ADHRB والدكتور دوايت بشير مدير البحوث والسياسات في اللجنة الأمريكية للحرية الدينية والدولية USCIRF، زينة العيسى وعلي الدبيسي عن المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان ESOHR وأخيرًا وفي مشاركة مسجلة لحسن العمري عن منظمة ديواني .
أدارت جلسة النقاش وبدأتها أماندا ميلاني، المتصلة بالأمم المتحدة من قبل ADHRB، مشيرةً إلى خلو القاعة من مواطنين قادمين من السعودية ، الأمر الذي يظهر شدة القيود المفروضة على المجتمع المدني في المملكة بسبب مجموعة متنوعة من الإجراءات القمعية. وهو ما منع الناشطين أمثال سمر بدوي من مغادرة البلاد للمشاركة في المحافل الدولية، أو حتى من تنظيم أخرى محلية. كما كان سببًأ آخر لعرض تصريحات وفيديوهات لبعض من النشطاء السعوديين الموجودين في المنفى والذين لم يتمكنوا من حضور مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة شخصيًا .
ثم تناول تايلور بري مناصر مساعد في ADHRB، الجوانب الموضوعية والهيكلية للتمييز والانتهاكات المتعلقة بالحرية الدينية والحقوق الثقافية في المملكة العربية السعودية. وأشار إلى أنه من الواضح أن هناك تمييز ضد الأقليات الدينية في المملكة، ولكنه تساءل عن طبيعة الآليات المتبعة لتكريس هذا التمييز وكيف يمكن للدولة السعودية اتباعها لِسن مختلف أشكال التمييز ووفق أية أجهزة أو هياكل أيديولوجية يتم ذلك ؟
أضاف تايلور أن الدولة لا تنظر إلى المسلمين الشيعة باعتبارهم مسلمين ، وبهذه الطريقة فإنها تضمهم إلى باقي الأقليات غير المسلمة الأخرى في البلاد ، والتي تعاني بدورها أيضًا من التمييز بنسبة كبيرة . هذه الدولة منحازة إلى شكل معين من أشكال الإسلام – الوهابية – الدين الرسمي للبلاد وهذا ما يُعتبر تمييز مباشر ضد أفراد لا تعتبرهم مسلمين .
لا تشمل المؤسسة الدينية في البلاد أي ممثلين عن الطائفة الشيعية أو الجماعات الدينية الأخرى. وسرى تأثير هذا التغييب على مختلف جوانب النظام وبالتالي على القانون والممارسات الرسمية الأخرى . بدءًا من وسائل الإعلام إلى المدارس إلى الأعمال التجارية التي يتغلغل فيها واقع التحيز ضد الشيعة وغير المسلمين. تجريدهم حقهم الإنساني هو تأكيد على السماح بخلق أجواء تسهل العنف والتعصب .
وأخيرا، أشار إلى أن الأشكال المتطرفة من التمييز والعنف الهيكلي هي أكثر وضوحا في رد فعل الدولة على الاحتجاجات أو المظاهرات في المنطقة الشرقية، وهي منطقة ذات الأغلبية الشيعية. وشهدت هذه المناطق القمع العنيف، والقوة المفرطة، والاعتقال التعسفي، وغيرها من الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان، وبلغت ذروتها في إعدام الشيخ نمر النمر، الزعيم الديني الرائد والناشط الإصلاحي .
وأما الدكتور دوايت بشير مدير البحوث والسياسات في اللجنة الأمريكية للحرية الدينية والدولية USCIRF، بدأ كلامه بشرح دور لجنة الحريات الدينيات كهيئة استشارية مستقلة لحكومة الولايات المتحدة حول كيفية حماية الحرية الدينية على أساس القانون الدولي لحقوق الإنسان. وتحدث بالتفصيل عن أشكال الحماية الأساسية والقيم التي تعمل لجنة USCIRF ضمن إطارها .
لفت بشير أنه ليس من الممكن في المملكة السعودية التعبيربحرية عن إيمانك ومعتقداتك في الأماكن العامة أو في القطاع الخاص . الدولة تؤكد بشكل علني أنها تتبنى تفسير الحكومة الرسمي للإسلام السني ، معتبرةً أنه الدين الوحيد الذي يمكن أن يُمارس في منطقة شبه الجزيرة ، مما يدفع الشيعة وغير المسلمين إلى البحث عن مساحات خاصة لممارسة معتقداتهم ، والأنظمة التي تحمي هذا النوع من التحركات غلمضة للغاية .
لا يوجد دستور رسمي في المملكة العربية السعودية –الدستور هو القرآن (على حد قولهم ) – كما لا يوجد قانون عقوبات على الرغم من زعم الحكومة أنها على وشك تدين كامل لمجموعة من هذه القوانين . ومع ذلك مازالت العدالة تُسنّ عبر تفسير الشريعة من قبل قضاة بشكل منفرد، يطلقون أحكام قاسية تصدر بتهم الردة والكفر وجرائم غامضة .
في المقابل لفت بشير إلى أن الأمور غير ثابتة في المملكة ، فمدينة جدة وغيرها من المناطق تتطور تديجيًا . دور ومؤسسات الدولة يتغير ويتضاءل في بعض المناطق ، “الشرطة الدينية ” و” هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ” قُصت أجنحنها قليلاًمن قبل الحكومة ، ولم تعد قادرة بالتالي على فرض الأعراف االدينية بصلاحيات مطلقة ، فقد يتعرض أعضاؤها للمحاكمة بتهمة التجاوز . الرؤية السعودية لعام2030للنهوض بالاقتصاد لها تأثير في هذا الجانب رغم وجود توترات مع المؤسسة الدينية . كما ألغت الحكومة بعض خطاب الكراهية من المواد الرسمية وبدأت بتنظيم برامج لإعادة تدريب رجال الدين الرسميين والذين يعتنقون الفكر المتطرف وتخلّت عن بعضهم . ولكن في المقابل ، مازالت الحكومة تسعى على مدى 15 عامًا إزالة التطرف والتحريض العنيف والعلني من المواد التعليمية. حتى الآن تم مرتجعة الكتب للمراحل الدراسية حتى الصف العاشر ومازالوا يعملون على كتب الصفوف 11 و12 وذلك وفقًا لتصريحات المسؤوليين السعوديين . ولكن مع ذلك، يضيف بشير، مازال هناك كتب تحتوي إستثناءات ، كأن تشير إلى اليهود “كقردة ” والتي فيها تحريض ضد “غير المؤمنين ” والذين “لايتبعون الصراط المستقيم” . وقد أنشأت الحكومة السعودية أيضا مركز لمكافحة الاتصالات للجماعات المتطرفة المنبثقة عن داعش والجماعات المتشددة أخرى.
بشير أكد أيضًا أن المرأة بدأت تأخذ أدوارًا أكبر في المجتمع بشكل لم نشهده منذ عدة سنوات . والآن صار هناك محاميات ونساء أنشأن تطبيقات عبر الإنترنت ، تمكّن أي امرأة من التنقل بشكل مستقل في النظام القضائي . ورغم ذلك ، لايمكن للمرأة أن تقود السيارة ولايزال نظام الوصاية يمنع المرأة بشدة من حقها في التجمع وتكوين الجمعيات .
القطيف والإحساء حيث الأغلبية الشيعية ، شهدت مظاهرات لمناسبة عاشوراء ولغيرها من التأكيدات العامة على الهوية الشيعية. ولكن، منذ إعدام الشيخ نمر النمر، انحسرت كثيرا هذه الدعوات العلنية للحقوق نظرا حملة القمع شديدة الوطأة.
في الختام سلط بشير الضوء على 10 ملايين من العمال الأجانب في المملكة وما يواجهونه من قيود مفروضة على حرية اعتقادهم . فكثير من الأحيان يمارس المغتربين معتقداتهم بخوف كون أن اجتماعاتهم سيتم مداهمتها أو محاجمتها من قبل السلطات . وأضاف هناك حالات تتابعها لجنة USCIRF عن كثب وهي رائف بدوي ومحاميه وليد أبوالخير وكذلك الشاعر أشرف فياض وقد حكم عليه بالإعدام بتهمة الردة في المملكة.
ثم ألقت زينة العسيى الباحثة المشاركة في المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان، مداخلة تحدثت فيها عن تحول كبير في مواقف المملكة حول الحريات الدينية على الصعيد الدولي مقابل حصول عكس ذلك على الصعيد الداخلي . ففي حين أعرب مركز المملكة الجديد لحوار الأديان الموجود في النمسا عن التزامات جادة في الحرية الدينية في الخارج ، تبقى ” العزلة ، وصمة العار، والتهميش ” من المداميك الأساسية في نهج الحكومة في الداخل . الطغيان الرسمي لمبادئ الوهابية في أرجاء المجتمع أدى إلى تفاقم الإنقسامات .
وأشارت عيسى أن تجريد هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من بعض الصلاحيات والسلطة كم أشار الدكتور دوايت بشير هو في الواقع نقل تلك السلطة لشرطة الولاية ،مما يعزز من سلطة الدولة وليس بالضرورة معالجة الآثار السلبية لتلك الهيئة .
ولفتت عيسى أن المحاكم السعودية تجرّم الحرية الدينية . ففي عام 2015، حكمت المحاكم على مخلّف الشمري بالسجن بتهمة “الجلوس مع الشيعة”. وفي حالة أخرى ، حكم على رجل شيعي بالسجن والجلد لقيادته تجمع ديني . المحكمة الجزائية المتخصصة ، محكمة الإرهاب ، جرّمت الإلحاد – مساواة قضايا الحرية الدينية مع قضايا الأمن القومي. في محاكمة ” ملف التجسس”، حكم على نحو 15 متهمًا بالإعدام لمحاولتهم إنشاء مسجد للشيعة . وقد احتج الشيخ نمر النمر طويلاً لوجود هذه القضايا وقدم عرائض إلى الحكومة واستمر بذلك حتى تم إعدامه . العيسى رفعت العديد من الحالات الأخرى من الانتهاكات، مثل فرض حظر على الاحتفال بأعياد الميلاد وغيرها من الأحداث في المستشفيات ، كما حصل مع أسرة مسيحية أرادت الاحتفال في منشأة للرعاية الصحية .
أما على الصعيد الفكري ، فقد استخدمت الحكومة الدين كوسيلة لتقديس مصالح الدولة وكوسيلة للسيطرة الإجتماعية. وقد أصدرت المؤسسة الدينية فتاوى طائفية ومذهبية للغاية : حظرت الزواج بين الطوائف أو المذاهب المختلفة ، أجازت قتل الشيعة وحظرت قبول الطعام من أفراد إذا كانوا شيعة. كل هذا سمح لوسائل الإعلام أن تشير إلى الشيعة بلغة مهينة محرضة الرأي العام على العنف . عندما حاول أحد الوزراء إغلاق محطة تلفزيزنية تحريضية إثر الهجوم الإرهابي على مركز ديني شيعي ، أُعفي من واجبه من قبل الحكومة .
بعد أن حصلت سلسلة من الهجمات الإرهابية في المنطقة الشرقية ، طالبت المجتمعات المحلية بإصدار قانون يُجرّم التحريض الطائفي ليتم اقتراحها من قبل مجلس الشورى ، لكن رفض هذا الطلب رفضًا قاطعًا . كما وصف محافظ الشرقية بشكل متكرر الشيعة في منطقته بلغة عدائية ومهينة .
وخلصت زينة عيسى في ختام كلمتها على ضرورة أن يتطابق الخطاب السعودي الدولي عن الحرية الدينية مع العمل والإصلاح في الداخل .
آخر كلمة في حلقة النقاش كان لرئيس منظمة ديواني السعودية حسن العمري كلمة عُرضت عن طريق الفيديو وقام رئيس المنظمة الأوروبية لحقوق الإنسان ESOHR علي الدبيسي بترجمتها وتلخيصها . اعتبر العري أن فرض الحكومة الفكرالوهابي على المجتمع ، فعّل من تدمير المواقع الثقافية والدينية الرئيسية في مكة المكرمة وغيرها. وقد حاولت الحكومة السعودية بعدة وسائل استهداف أي مظهر من مظاهر التاريخ الذي يسبق الحكم الملكي السعودي. فقد تأسست الدولة السعودية بالقوة، و استمرمعها أيضًا محو علامات هذا التاريخ السابق بالقوة. مشاريع التحديث الاقتصادي والتنمية الحضرية في مكة المكرمة والمدينة المنورة قادت أيضا إلى هدم ثقافي واسع النطاق. في السنوات ال 20 الماضية، لقد دمرت الحكومة تراث تاريخ يعود لآلاف السنين ، ليس فقط في المملكة وإنما في اليمن أيضا. والجدير بالذكر، أن الحكومة لم تسجل مكة المكرمة أو المدينة المنورة مع اليونسكو، لكنهم سجلوا المواقع المرتبطة على وجه التحديد مع العائلة المالكة السعودية.
وختمت جلسة النقاش بالإجابة على أسئلة واقتراحات كل من الوفود المشاركة الكندية والأسترالية وشدد المجتمعون على أهمية الضغط الدولي– سواء الدول أو منظمات المجتمع المدني- في إحداث التغيير في المملكة. وتساءلوا عن مدى تأثير رؤية 2030 على توسيع مساحة المجنمع المدني وعلى حرية التعبير والمعتقد ؟ وجرت نقاشات حول الأثرالكلي لإعدام الشيخ نمر النمر على الطائفة الشيعية والحركة المؤيدة للديموقراطية .