لاقت كلمة نائب وزير خارجية البحرين عبدالله الدوسري التي ألقاها اليوم الثلاثاء 28 فبراير 2017 أمام مجلس حقوق الإنسان في جنييف ، استنكارًا واسعًا لدى المنظمات الحقوقية الدولية ولاسيما البحرينية . وأصدرت بيانًا شديد اللهجة تعرب فيه عن قلقها من عدم التزام البحرين المتواصل في تعزيز وحماية حقوق الإنسان . ولفتت المنظمات في بيانها إلى استغلال الدوسري الفرصة في خطابه للتأكيد على الأطر القانونية وتعاون بلاده مع المؤسسات الدولية والمجتمع المدني المحلي . البيان الذي ذُيّل بتوقيع كل من منظمة “أمريكيون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في البحرين” ،و” مركز البحرين لحقوق الإنسان” ،و”معهد البحرين للحقوق والديمقراطية” ،و” المركز الأوروبي للديمقراطية وحقوق الإنسان” وصف كلام الدوسري بأنه كلام فارغ يهدف من خلاله تحويل الأنظارعن الممارسات الواسعة النطاق لانتهاكات حقوق الإنسان في البحرين ، كما أعرب البيان عن قلقهم البالغ إزاء محاولة الدوسري “تأطير انتهاكات حقوق الإنسان الجارية في البلاد بإطار إصلاحات ناجحة ,بما في ذلك الاعتقال التعسفي والتعذيب الممنهج والقيود الصارمة على حرية التعبير والتجمع وتكوين الجمعيات؛ التمييز الديني؛ والإقصاء السياسي مما يؤكد التزام البحرين بمواصلة تعميق أزمة حقوق الإنسان”.
وفي حين كان نائب وزير الخارجية يثني على دستور البحرين والتشريعات التوسعية لحماية حقوق الإنسان، لفتت المنظمات إلى تعارض ذلك مع التطبيق الفعلي والمعيب للمحاكم ، التي تستمر الحكومة من خلالها في استخدام قانون مكافحة الإرهاب على نطاق واسع لاستهداف النشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان وغيرهم من المجتمع المدني . إضافة إلى إعادة سلطة اعتقال المدنيين إلى وكالة الأمن القومي بموجب القانون المذكور بعد أن كانت قد جردت من ذلك جراء تورطها في الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري وتعذيب المدنيين في عام 2011. أما آخر التشريعات ما بدأه الملك حمد في الأول من فبراير لتعديل الدستور والسماح للمحاكم العسكرية لمحاكمة المدنيين وهو ما فسّرته المنظمات الحقوقية بأنه تفعيل للأحكام العرفية في البلاد كونه يزيل جميع القيود القانونية على المحاكم العسكرية .
نفت المنظمات في بيانها بشكل قاطع ما ادّعاه الدوسري حول إلتزام بلاده العمل بشكل علني واستعدادها التعاون مع المجتمع المدني ، وأكد على فشلها في ذلك ولاسيما في حماية الحق في حرية التعبير والتجمع وتكوين الجمعيات . وتتطرق إلى استهداف السلطات المتكرر للمدافعين عن حقوق الإنسان، سواء بالسجن أو بحظر السفر أو بالنفي القسري ، و لعل أبرزهم رئيس مركز البحرين لحقوق الإنسان نبيل رجب الذي يواجه عقوبة تصل إلى 18 عامًا في السجن وكذلك عبد الهادي الخواجه والدكتور عبد الجليل السنكيس ، وذلك بتهم تتعلق بحرية التعبير.
وفي حين اعتبر الدوسري أن بعض الجماعات تعمل على تسييس حقوق الإنسان لتحقيق مكاسب سياسية خاصة بها ، أكدت المنظمات أن الحكومة تستمر في تقييد كل مجال سياسي للآراء المخالفة . مؤخرا صعّدت في التضييق على المعارضين والمجتمعات المعارضة في البحرين ، حلّت الجمعية الاسلامية الوطنية الوفاق وأغلقت مقرّها وصادرت أموالها ، وزادت من محكومية أمينها العام الشيخ علي سلمان ، ولم توفر أيضا أعضاء الجمعيات اليسارية بمن فيهم فاضل عباس وابراهيم شريف وغيرهم .
كما استغربت المنظمات ما وصفه الدوسري في كلمته من جهود رسمية تبذل لتعزيز الاعتدال والتسامح الديني ، في وقت ازداد التمييز بشكل ملحوظ ضد الأغلبية الشيعية في العام الماضي ،عبر تعرّضها للاعتقال التعسفي ولسحب الجنسية وللترحيل من بلادهم . ومضايقة رموزها الدينية والسياسية وسجن العديد منهم بتهم تتعلق في حرية التعبير والتجمع . ويتعرض الشيخ عيسى القاسم وهو من كبار رجال الدين البارزين إلى لاضطهاد من خلال تجريده من جنسيته في يونيو 2016 ومحاكمته بتهم تتعلق بممارسته إحدى فرائض المذهب الشيعي وهو الخمس .
وبينما حرص الدوسري على أن يشيد في خطابه بالمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان ، تساءلت المنظمات عن سبب تجاهله لدوافع تلك المؤسسات في التعتيم على نحو متزايد لمزاعم سوء التعذيب . وهو ما حصل بعد أن فشلت في التحقيق في مزاعم ذات مصداقية بشأن التعذيب الشديد التي تعرض له كل من سامي المشيمع وعلي السنكيس وعباس السميع ، الذين أعدمتهم الحكومة في وقت سابق من هذا العام وأدان المفوض السامي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة الإعدام وكذلك فعل المقرر الخاص للأمم المتحدة حول القتل واعتبره خارج نطاق القانون . وخلص البيان أن حالة حقوق الإنسان في البحرين انخفضت إلى إحدى أدنى مستويات لها خلال سنوات .
ومن جانبه علّق المدير التنفيذي لمنظمة أميركيون من أجل الديموقراطية وحقوق الإنسان في البحرين حسين عبدالله على خطاب الدوسري قائلا “إن بيان اليوم رفيع المستوى من قبل الحكومة البحرين, هو فشل آخر للغاية و مخيب للآمال لاغتنام الفرص الحقيقية للتفكير، والصدق والإصلاح” مضيفا “إن البحرينيين يواجهون اليوم أخطر الانتهاكات الواسعة النطاق لحقوق الإنسان منذ سنوات”.
وأردف” إن لدى الحكومة فرصة في مجلس حقوق الإنسان،للتصدي لهذه الانتهاكات ومعالجة الحاجة الى إصلاحات بكل صدق، والسعي للحصول على دعم المجتمع الدولي في مجال تعزيز وحماية حقوق الإنسان العالمية” مضيفا ” للأسف، فشلت الحكومة مرة أخرى في اغتنام هذه الفرصة “.
ودعت المنظمات في ختام بيانها حكومة البحرين إلى “الإعلان الفوري عن إصلاحات جوهرية وشفافة، بما في ذلك تنفيذ توصيات لجنة تقصي الحقائق، وتوصيات المراجعة الدورية الثانية، والانخراط في التعاون الكامل والمفتوح مع مكتب مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان والإجراءات الخاصة للأمم المتحدة”.