أقرّ مجلس النواب البحريني في 21 فبراير 2017 تعديلا دستوريا يزيل من خلاله القيود المفروضة على المحاكم العسكرية ويشّرع لها محاكمة المدنيين. جاء هذا التعديل في البداية بناءً على اقتراح الملك ، قبل أن يصوت عليه 31نائبًا من أصل أربعين هم أعضاء البرلمان. ومن المفترض أن مشروع التعديل سيُعرض على مجلس الشورى المؤلف من أربعين عضوًا تم تعيينهم من قبل الملك ، ليصادق عليه بعد النظر العاجل ثم يُحال إلى الحكومة التي ترفعه بدورها إلى الملك ليقره رسميًا . وقد أدان عددٌ كبيرٌ من النشطاء والمنظمات الحقوقية هذا التعديل ، وأصدرت كل من منظمة” أمريكيون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في البحرين”، و”مركز البحرين لحقوق الإنسان”، و”معهد البحرين للحقوق والديمقراطية”، و”المركز الأوروبي للديمقراطية وحقوق الإنسان”، بيانًا أدانت فيه بشدة توسيع اختصاص المحاكم العسكرية لتشمل المدنيين، وطالبت السلطة التشريعية في البحرين إلى إلغاء هذا التعديل.
ويستبدل التعديل في حال إقراره المادة 105 (ب) من الدستور عام 2002، والتي تنص على حصر المحاكمات العسكرية بالجرائم التي يرتكبها عسكريون ورجال أمن ومنعها من محاكمة المدنيين ما لم يعلن الملك حالة الأحكام العرفية. أما بموجب التعديل الجديد ، فتم السماح للمحاكم العسكرية أن تطلق يدها وتتجاوز هذه الحصرية وبحسب خبير قانوني بحريني صرح لـ”أمريكيون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في البحرين”(ADHRB) و”معهد البحرين للحقوق والديمقراطية” (BIRD) أنه ما هو إلا” قانون عسكري جديد”معربًا عن قلقه من محاكمة المدنيين وفْقهُ وحرمانهم المحاكمة العادلة والحق في الحصول على محام.
المادة 105 (ب) وتعديلاته
الدستور الذي صدر في عام 2002، تنص على ما يلي بموجب المادة 105 الفقرة (ب):
وتقول الفقرة “ب” من المادة 105 “يقتصر اختصاص المحاكم العسكرية على الجرائم العسكرية التي تقع من أفراد قوة الدفاع والحرس الوطني والأمن العام، ولا يمتدُّ إلى غيرهم إلا عند إعلان الأحكام العرفية، وذلك في الحدود التي يقررها القانون”.
المادة 105 (ب) يحد بشكل واضح من اختصاص المحاكم العسكرية على الجرائم العسكرية التي يرتكبها أفراد من القوات المسلحة والأمن، ويستبعد كل المدنيين، باستثناء فترة الأحكام العرفية.
أما نص التعديل المقترح :
“ينظم القانون القضاء العسكري، ويبين اختصاصاته في كل من قوة دفاع البحرين والحرس الوطني وقوات الأمن العام”.
وبالتالي يزيل تعديل المادة جميع القيود المفروضة على المحاكم العسكرية، وينص فقط على أن ينظم القانون القضاء العسكري. طرح التعديل في مذكرة تفسيرية وزعت من خلال حكومة البحرين يوم 2 فبراير.
أرسل مشروع التعديل إلى الحكومة بصورة عاجلة بعد جلسة خاصة للمجلس التشريعي عقدت في يوم 5فبراير ، في حين لم يستغرق تعميم مذكرة التعديل سوى بضعة أيام فقط . وبعد مرور 16 يوما من ذلك صوت مجلس النواب بالموافقة . التعامل مع هذا المشروع بهذه الوتيرة المتسارعة جاء بالتزامن مع التحذيرات التي أطلقها المدافعون عن حقوق الإنسان والنشطاء ، حيث اعتبر سيد أحمد الوداعي ، مدير الدعوة في معهد البحرين للحقوق والديموقراطية أن هذا التعديل سيكون له تأثير كارثي على الشعب وعلى أرض الواقع، وأضاف ” يقوم ملك البحرين بخلق دولة بوليسية على نحو فعّال تكون فيها الأحكام العرفية أمر واقع “. كل هذا التمادي يرجع بحسب الوداعي إلى ” الدعم الغير المشروط المقدم من حلفاء البحرين في كل من لندن وواشنطن بحيث عزز هذه الجهود الديكتاتورية ، و الشعب البحريني هو الذي سيدفع ثمن تلك السياسات “.
ودافعت وزارة شؤون الدفاع عن مشروع التعديل واعتبرته ” أساسًا لحماية القوات المسلحة “، ومن جهتها نفت وزارة الداخلية أن التعديل سيسمح بمحاكمة المنيين العاديين أمام المحاكم العسكرية ، مشيرة أن التعديل سيمكنها من محاكمة الموظفين المدنيين لديها، المخبرين منهم، بطريقة أكثر فعالية . نفي الحكومة اعتبره المدير التنفيذي لأمريكيون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في البحرين (ADHRB) حسين عبدالله ،” ليس فقط غير مقنع ، بل يحمل إشكالية في جوهره “، وتساءل “إذا كانت الحكومة البحرينية لن تقوم بمحاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية، لماذا قامت إذًن بتعديل الدستور لإزالة كافة أشكال الحماية في مجال المدنيين؟ وعلاوة على ذلك ، إن توسعة السلطات لاستهداف ومعاقبة ما يسمى ب ‘المخبرين’ هو في حد ذاته مدعاة للقلق الشديد، نظرا للوضع القائم من القيود المشددة على حرية التعبير وحرية الحصول على المعلومات في البحرين. ومع حلفاء رئيسيين مثل الولايات المتحدة التي صرفت النظر في سياستها الخارجية تجاه البحرين عن مسألة حقوق الإنسان وتستعد لبيعها السلاح دون أي شروط للإصلاح، وسيكون مؤشرا خطيرا بشكل خاص للأمور في المستقبل إذا لم يكن هناك لوم دولي قوي لهذه الخطوة “.
ليست هذه المرة الأولى التي تُمنح فيها المحاكم العسكرية صلاحيات واسعة ، فقد سبق أن قام الملك حمد بخطوة مشابهة عندما أعلن حالة السلامة الوطنية في مارس 2011 وسمح للمحاكم العسكرية بمحاكمة المدنيين في خطوة تسهل للسلطات قمع المنظاهرين المؤيدين للديموقراطية.وقد قامت محاكم السلامة الوطنية ،كما كانت تسمى، (مجلس الأمن القومي حاليًا)، بمحاكمة 300 متظاهر على الأقل وفقا للجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق (لجنة تقصي الحقائق، الفقرة 1289)، وكان من بينهم أطباء وممرضون ، مجموعة بحرين 13 وهم مجموعة من القادة السياسيين فضلاً عن مدافعين عن حقوق الإنسان حكمت عليهم محاكم السلامة الوطنية بالسجن لمدة ترواحت بين الخمس سنوات والسجن مدى الحياة . وقد وجدت لجنة تقصي الحقائق أن “المبادئ الأساسية للمحاكمة العادلة، بما في ذلك الوصول الفوري والكامل الاستعانة بمستشار قانوني وعدم جواز شهادة بالإكراه، لم تحترم” في هذه المحاكم (الفقرة 1720).
هذا السيناريو من الغطاء القانوني لاستهداف المدنيين هو ما تخوفت المنظمات أعلاه من تكراره ، فقد ذكرت في بيانها أن”البحرين كانت دولة بوليسية غير معلنة لسنوات عديدة وحتى الآن ، ولكن مع هذا التعديل ومحاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية، سيكون لدينا وضع أكثر شرا مما شهدناه في عام 2011. وهذه المرة، ستكون سلسلة المحاكمات الجائرة جزءا لا يتجزأ من دستور البلاد نفسه ، وبهذا التعديل يكون الملك حمد أعلن نفسه الزعيم الأكثر قمعًا على الإطلاق في البلاد “.
إن التخوف مما يحمله التعديل من آثار على الحرية والحقوق لا يمنع من أن نظم كلا المحاكم العسكرية والمدنية قد أثبتت فشلها على مدى السنوات الماضية في ردع مرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان وإخضاعهم للمساءلة عن أفعالهم. وظل الإفلات من العقاب هو السائد في نظم العدالة العسكرية والمدنية .وعلى سبيل المثال، الفريق منصور المنصور، القاضي العسكري الذي ترأس مجلس الأمن القومي، هو اليوم عضو بارز في الفريق المشترك لتقييم الحوادث في اليمن، وهي هيئة مكلفة بالتحقيق في انتهاكات القانون الإنساني الدولي لقوات التحالف السعودي في اليمن. وقد سبق واتهم الفريق منصور المنصور بتلميع صفحة جرائم حرب لتحالف المزعومة .
كما وواصلت المحاكم الجنائية المدنية أيضا في انتهاك حقوق إجراءات التقاضي السليمة وإصدار أحكام قاسية بتهم تتعلق بحرية التعبير والتجمع وتكوين الجمعيات. وكون الحكومة أغلقت مجلس الأمن القومي، فقد فشلت المحاكم المدنية في توفير الضمانات الأساسية للمحاكمة العادلة باستمرار أوالتحقيق بشكل كاف في مزاعم التعذيب والاعترافات القسرية. ومؤخرًا أعدمت الحكومة ثلاثة من ضحايا التعذيب في يناير 2017 بعد أن أدانتهم المحاكم الجنائية المدنية بموجب قانون مكافحة الارهاب ، وحكمت عليهم بالإعدام. رفض القضاة مزاعم التعذيب ذات مصداقية وأنكر المتهمون الحصول على المساعدة القانونية. لكن المقرر الخاص للأمم المتحدة حول الإعدام حسم إن إعدام المتهمين كان في الواقع إعدام خارج نطاق القضاء.
التعديل ما هو إلا أحدث التشريعات المقلقة التي جرت منذ بداية العام الجديد. ففي يناير، أعاد الملك إلى وكالة الأمن القومي سلطة الاعتقال. وكالة الأمن القومي، وهي فرع المخابرات في البحرين، قد شاركت بشكل منهجي في الاعتقال التعسفي والتعذيب في عام 2011، مما أدى إلى وفاة أحد المعتقلين على الأقل خلال احتجازه، وهوأحد مؤسسي صحيفة الوسط كريم الفخراوي. إعادة تمكين وكالة الأمن القومي يناقض بشكل مباشر تنفيذ الحكومة لتوصيات لجنة تقصي الحقائق ذات الصلة، واحد من اثنين فقط تم تنفيذها بالكامل. وذكرت وسائل الاعلام المحلية أن وكالة الأمن القومي بدأت بممارسة صلاحياتها مجددًا في وقت مبكر من 1 فبراير 2017 وذلك مع اعتقال إحدى الممرضات لتوفيرها العلاج لأحد المتظاهرين.
في الختام نددت كل من منظمة” أمريكيون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في البحرين”، و”مركز البحرين لحقوق الإنسان”، و”معهد البحرين للحقوق والديمقراطية”، و”المركز الأوروبي للديمقراطية وحقوق الإنسان” بتصويت المجلس على الموافقة على تعديل المادة 105 (ب) من دستور عام 2002، وطالبت حكومة البحرين برفض أي محاولة لإخضاع المدنيين للمحاكم العسكرية. كما دعت الحكومة إلى أن تضمن أن جميع المحاكم في البلاد تلتزم المعايير القضائية الدولية وتحترم الحق في المحاكمة العادلة المنصوص عليها بموجب المادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
الصورة : أسّوشياتد برس