بتاريخ مارس 2013، تعرضت جمعية الحقوق المدنية والسياسية (حسم ) إلى أكبر هجمة شنتها عليها الحكومة السعودية ، وذلك من خلال إصدار المحكمة الجزائية المتخصصة أمرًا بحلها، ومصادرة أموالها، وإغلاق موقعها الإلكتروني وكافة الحسابات الموجودة على مواقع التواصل الاجتماعي المرتبطة بها. وكان ذلك خلال الجلسة التي أصدرت فيها المحكمة نفسها أحكامًا بالسجن لفترات طويلة بحق اثنين من أبرز مؤسسيها ، وهما الدكتور عبدالله الحامد والدكتور محمد القحطاني . آخر فصول الهجمة، حتى الآن، كانت مؤخرًا في 10 يناير 2017 عندما حكمت المحكمة الجزائية المتخصصة بقضايا الإرهاب على آخر من تبقى من أعضاء جمعية (حسم) خارج السجن ،عبد العزيز الشبيلي. وحُكم عليه بالسجن لـ 8سنوات ومنع من السفر لنفس المدة . السلطات كانت قد حكمت على جميع الأعضاء الرئيسيين للجمعية بالسجن لمدد طويلة وذلك على خلفية عملهم في مجال الدفاع عن حقوق الانسان في المملكة . اضطهاد السلطات لجمعية (حسم) يوضح تجاهل الحكومة لمبادئ حقوق لانسان كحرية التعبير وتكوين الجمعيات . وعلى الرغم من التزامها العلني بحرية التعبير ، عملت الحكومة السعودية إلى قمع منظمات المجتمع المدني المستقلة وحدّت بشكل تعسفي من حرية التعبير .
وكانت جمعية (حسم) واحدة من عدد قليل جدًا من منظمات المجتمع المدني المستقلة المتواجدة في السعودية. إذ قامت على يد مجموعة من نشطاء حقوق الانسان في العام 2009 ، وطالبت بتشكيل حكومة على أساس الدستور ، وسيادة القانون ، والفصل بين السلطات ، واستقلال القضاء ، والتمثيل الشعبي ، ومساءلة الحكومة . كما دعت إلى الاصلاح السياسي وندّدت بما ترتكبه وزارة الداخلية – ذات الصلاحيات الواسعة – من انتهاكات واسعة لحقوق الانسان ،مثل التعذيب والقمع السياسي . شكلت هذه الأهداف تحديًا حقيقيًا قاد الحكومة إلى إغلاقها . كما شكلت جمعية (حسم) تحديًا من نوع خاص لمشروعية تفسير السلطات لمفهوم حقوق الإنسان في الإسلام ، وتأكيدها على الخصوصية الثقافية للسعودية كونها دأبت على التأصيل لخطابها المعني بحقوق الإنسان في أحكام الشريعة وأصول الفقه. وشملت قائمة مؤسسي (حسم) أحد القضاة السابقين ومحامين مزاولين للمهنة وأساتذة جامعيين متخصصين في الفقه والأدب العربي وشخصيات عامة تحمل مؤهلات بارزة في الفقه والشريعة، وسنورد في الجزء الثاني عن جمعية حسم نبذة مختصرة عن الأعضاء الأحد عشر والتهم التي واجهوها والأحكام الصادرة بحقهم . لقد دفع مؤسسو الجمعية ثمنًا باهظًا لمجرد طعنهم في تفسريات السلطات لمفهوم حقوق الإنسان في الإسلام. وهنا يكمن دافع الحكومة إلى أن تفرد لها أقسى أشكال المعاملة ، كون تاريخ ومؤهلات الأعضاء المؤسسين ممن لهم باع طويل في الفقه والشريعة الأمر الذي لم يتح للسلطات أن تجعلهم في خانة الملحدين أو ناشري الثقافة الغربية أو الليبرالية ، أو تتهمهم بأنهم جزء من مشروع بعض البلاد المجاورة .
سنّت السلطات السعودية لنفسها العديد من القوانين التي تسمح لها بقمع منظمات المجتمع المدني المستقلة ومنظمات حقوق الانسان . قانون 2015 الخاص بالجمعيات يسمح للحكومة أن تشترط نوع المنظمات التي تُؤسس، وهي تحدد طبيعة الأنشطة التي تكون قانونية. ويمنح القانون 2014 لمكافحة الإرهاب وزارة الداخلية صلاحيات اعتقال واحتجاز واسعة النطاق. ويحدد تعريفا فضفاضا للإرهاب ويجرم مجموعة واسعة من الأنشطة التي لا تعدو كونها أكثر من مجرد ممارسة لحق من حقوق الانسان . كذلك قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية 2007 الذي يجرم التعبير ويسمح بملاحقة الأفراد لممارسة حقهم في حرية التعبير وتكوين الجمعيات. دأبت النيابة العامة استخدام هذا القانون والاستشهاد بالتغريدات ورسائل الكمبيوتر كدليل على النشاط الإجرامي. كل هذه القوانين أدت إلى توسيع نطاق الغطاء القانوني لإساءة استغلال السلطة إلى درجة أن مجرد الانتقاد السلمي للسلطات كفيل بتصنيف أصحابه كمرتكبين لجرائم الإرهاب ضد الدولة .
هذه الشبكة من القوانين التي شيدتها السلطات استُخدمت لتضييق الخناق على جميع النشطاء والمدافعين عن حقوق الانسان وبالتحديد أعضاء جمعية (حسم) ، فكانت كل التهم التي واجهتهم تتضمن مخالفة لهذه القوانين وذلك من قبيل : تأليب الرأي العام، إنشاء منظمات مجتمع مدني غير مرخصة ، الانضمام إلى منظمة مجتمع مدني غير مرخصة، الإساءة إلى سمعة البلاد، التشكيك في استقلال القضاء ، تحريض الجمهور ضد الحاكم، والدعوة إلى الاحتجاجات.
وعلى الرغم من إعلان السعودية تأكيدها التزام مبادئ حقوق الإنسان عقب انتخابها للمرة الرابعة كعضو في مجلس حقوق الانسان ، فإن سلسلة الاعتقالات والملاحقات القضائية التي تعرض لها أعضاء جمعية (حسم ) الأحد عشر ، الواحد تلو الآخر ، بدءًا بمحمد البجادي عام 2011 وصولا إلى عبد العزيز الشبيلي مع مطلع هذا العام ، لا لشيء سوى لعملهم المرتبط بحقوق الإنسان في البلاد، لايعكس الا إصرار السلطات على المضي قدما في خنق كل أصوات المعارضة السلمية بلا هوادة ، كما يعكس إرسال رسائل ترعب كل من سولت له نفسه في المساهمة في الكشف عن توثيق انتهاكات حقوق انسان ترتكبها الحكومة وأجهزتها . وهو تمامًا ما يناقض تعهداتها والتزاماتها الدولية . المادة 6 من إعلان الأمم المتحدة المتعلق بحق ومسؤولية الأفراد والجماعات وهيئات المجتمع في تعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية المعترف بها دولياً ، تنص على: الحق في دراسة ومناقشة وتكوين واعتناق اﻵراء بشأن مراعاة جميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية في مجال القانون وفي التطبيق على السواء، وتوجيه انتباه الجمهور إلى هذه الأمور بهذه الوسائل وبغيرها من الوسائل المناسبة.وكذلك الفقرة 2 من المادة 12 التي تنص على أن تتخذ الدولة جميع التدابير اللازمة التي تكفل لكل شخص حماية السلطات المختصة له، بمفرده وبالاشتراك مع غيره، من أي عنف، أو تهديد، أو انتقام، أو تمييز ضار فعلا أو قانونا، أو ضغط، أو أي إجراء تعسفي آخر نتيجة لممارسته أو ممارستها المشروعة للحقوق المشار إليها في هذا الإعلان.
الصورة: موقع ويكبيديا