حكومة البحرين مستمرة في حملتها الأمنية ضد الأصوات الحرة والمعارضة في البلاد، لقد بدأت التصعيد مع بداية منتصف العام الحالي، وتواصل منذ ذلك الحين، على الرغم من الإدانات الدولية والدعوات لوقف هذه الإجراءات.
قامت السلطات الأمنية، في 17 يوليو 2016، باعتقال أحد أبرز علماء الدين الشيعة في البحرين، الشيخ محمد صنقور، وهو إمام أكبر مسجد للشيعة في البحرين وأكبر تجمع لصلاة الجمعة، حيث كانت زارة العدل قد أمرت قبل أكثر من أربعة أسابيع بمنعه من الخطابة، وبناءا على هذا القرار والاستدعاءات المتكررة لشيوخ الدين والخطباء الشيعة، أعلن العلماء الشيعة أنه بسبب “الاستدعاءات المتكرّرة لأئمة الجمعة والجماعة وخطباء المسجد وسجن بعضهم، إلى منع أكبر صلاة جمعة في البحرين ومحاولة فرض القيود غير الشرعيّة على ممارسة هذه الشعائر الدينيّة وفق الأحكام الفقهيّة” و “استشعارًا لعدم توفّر أجواء الأمن لإقامة الصلاة، تتوقف صلاة الجمعة والجماعة.” في 15 يوليو 2016، استأنفت صلاة الجمعة، فأقام الشيخ صنقور الصلاة في جامع الدراز. على خلفية هذا، قامت السلطات باستدعائه للتحقيق، وحولته للنيابة العامة محبوساً. تم الإفراج عنه في اليوم التالي بعد اتهامهبالتحريض على كراهية النظام والخطابة بلا ترخيص.
في 16 يونيو 2016، صرحت النيابة العامة أنها حولت ثلاث قضايا على خلفية تهم تتعلق بإحدى الفرائض الأساسية للشيعة وهي فريضة الخمس إلى المحكمة، تشمل هذه القضايا تسعة رجال دين ومسؤولين في جمعيات شيعية. اتهمتهم السلطات بتهم مزعومة بالتورط بغسيل الأموال، من بينهم الذين وجهت لهم التهم الشيخ عيسى قاسم. شملت قائمة رجال الدين الشيعة الذين حقق معهم على خلفية هذه القضايا: الشيخ مجيد مشعل، وهو رئيس المجلس العلمائي المنحل، والشيخ باقر الحواج، رئيس جمعية التوعية الإسلامية، والشيخ حسين المحروس، مدير مكتب الشيخ عيسى قاسم، والشيخ حسن المالكي، والشيخ إبراهيم الأنصاري، وهو رجل دين شيعي وواعظ، والسيد هاشم البحراني، وهو عضو في جمعية الوفاق المنحله، بالإضافة إلى محمود العرب، رئيس جمعية الرسالة. وستبدأ المحاكمة في هذه القضايا تاريخ 2 أغسطس 2016.
في 20 يونيو 2016، أصدرت وزارة الداخلية البحرينية بياناً أعلنت فيه عن إسقاط جنسية الزعيم الروحي الشيعي الشيخ عيسى قاسم، وذلك دون أية إجراءات قانونية، وبررت الملك القرار في مرسوم إسقاط الجنسية بأنه أتخذ بحسب قانون الجنسية البحرينية لعام 1963 وتعديلاته، والتي نصت على “إسقاط الجنسية البحرينية عن كل مرتكبي الجرائم الإرهابية والمحرِّضين عليها.” انتشرت تقارير تفيد أن الحكومة البحرينية تنوي ترحيل الشيخ عيسى بالقوة. فقام الناس بالتجمع في الدراز تضامنا مع الشيخ عيسى قاسم، وما لبثوا أن بدئوا اعتصاماً مفتوحاً أمام منزله، ولا زال الاعتصام مستمراً حتى اليوم. وبسبب ذلك وضعت السلطات الأمنية الدراز تحت حصار شديد، حيث أغلقت تسعة من مداخلة ووضعت نقاط تفتيش دقيقة أمام المدخلين المتبقيين، فلا يتم السماح لأي شخص من خارج الدراز من الدخول إليها تحت أي عذر كان. الحصار على الدراز ليس حصاراً فعلياً فقط، ولكنه حصار رقمي أيضاً، حيث أن سكان الدراز يقطعون عن العالم الافتراضي بعد الساعة السابعة صباحاً حتى ساعات الصباح الأولى، فشبكات الانترنت لا تعمل بشكل كامل خلال هذه الفترة. أثر الحصار على الأعمال التجارية في المنطقة، فالعديد من الأصحاب الأعمال يشتكون من خسائر مادية.
ليس ذلك فحسب، في 23 يونيو 2016، قامت السلطات البحرينية باستدعاء رجال دين ومنشدين شيعة، وقد صرح مدير عام مديرية شرطة المحافظة الشمالية بان سبب الاستدعاءات “التجمع غير القانوني بقرية الدراز”. فتم استدعاء والتحقيق مع: الشيخ محمود العالي، وهو عضو قيادي في المجلس العلمائي المنحل، والنائب البرلماني السابق الشيخ حمزة الديري، والشيخ فاضل زكي، أيضاً عضو قيادي في المجلس العلمائي المنحل، والشيخ منير المعتوق، والشيخ علي رحمة والشيخ إبراهيم الصفا، بالإضافة إلى المنشدين، مهدي سهوان وجعفر القشعمي. في 12 يوليو 2016، اعتقلت السلطات المسؤول في سوق العمل، علي عبدالرحيم، وذلك لمشاركته في التجمع أمام منزل الشيخ عيسى قاسم. وذلك بعد انتشار صورة في مواقع التواصل الاجتماعي والتحريض عليه من قبل نائب في البرلمان البحريني ومستخدمين آخرين موالين للحكومة على موقع التويتر والدعوة لاعتقالة. قامت النيابة العامة بسجنه لمدة 15 يوماً على ذمة التحقيق. استهداف المتظاهرين مستمر على مواقع التواصل الاجتماعي وسط خشية من تكرار سيناريو الاعتقالات التعسفية والفصل الغير قانوني من الاعمال بحق المتظاهرين السلميين في 2011، والذي وثقته اللجنة البحرينية لتقصي الحقائق.
كما هددت وزارة الداخلية بشكل متكرر المتظاهرين من المشاركة في التجمعات الغير قانونية أو الدعوة للمشاركة فيها، وفي أحد هذه التصريحات حذرت وهددت بالسجن والغرامة ضد “الاستجابة لأي دعوات تحريضية أو أعمال من شأنها الإخلال بالأمن والنظام العام، منوهاً إلى أن القانون رقم (18) لسنة 1973 وتعديلاته بشأن الاجتماعات العامة والمسيرات والتجمعات، ينص على معاقبة كل شخص، يشترك في اجتماع أو تجمع لم يخطر عنه، بالحبس والغرامة.“
الإجراءات القمعية طبقت على نشطاء ومدافعين عن حقوق الإنسان كذلك. في 13 يونيو 2016، حاصرت قوات الأمن البحرينية منزل المدافع عن حقوق الإنسان ورئيس مركز البحرين لحقوق الإنسان نبيل رجب وقامت باعتقاله. في 14 يونيو 2016، نقل رجب إلى النيابة العامة، ووجهت له تهمة جديدة وهي “نشر وإذاعة أخبار كاذبة من شأنها النيل من هيبة الدولة”، ثم أمرت النيابة العامة بحبسه سبعة أيام على ذمة التحقيق. قامت النيابة بتجديد حبسة في 21 يونيو 2016 لمدة 8 يوماً في السجن. في 26 يونيو، قامت السلطات بتحويل رجب إلى المحكمة محبوساً على تهمتين تتعلقان بتغريدات له على تويتر عن انتهاكات التحالف في الحرب على اليمن ومزاعم مؤكدة للتعذيب في سجن جو المركزي في البحرين. بدأت محاكمة رجب في 12 يوليو 2016، والجلسة القادمة ستكون في 2 أغسطس 2016. بسبب ظروف سجن رجب والذي يحتجز في الانفرادي وحرمانه من العديد من امتيازات يتمتع بها المعتقلين الآخرين، تدهورت صحة رجب وأخذ للمستشفى عدة مرات حيث يعاني من ضربات قلب مضطربة وارتفاع في ضغط الدم، بالإضافة لغيرها من الأمراض والتي تزيد من القلق على صحته.
كما لا زالت السلطات تفرض حظر السفر على النشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان والصحفيين وذلك لمنعهم من القيام بأعمالهم بحرية وكانتقام لتقديمهم تقارير عن الانتهاكات المستمرة للسلطات في البحرين. حيث وثق مركز البحرين لحقوق الإنسان 25 حالة حظر سفر، منها 23 منعوا من السفر منذ يونيو 2016. لا زالت القائمة تتضاعف مع محاولة الأفراد السفر. قامت السلطات ايضاً باستدعاء والتحقيق مع الصحافية والمراسلة نزيهة سعيد واتهمت بممارسة الصحافة دون ترخيص، وذلك في انتهاك صريح لحرية الصحافة والتعبير.
في 30 مايو 2016، رفعت محكمة بحرينية الحكم الصادر ضد الشيخ علي سلمان، الأمين العام لجمعية الوفاق المعارضة، لتسع سنوات في السجن، بدلاً من الحكم الأولي بالسجن لأربع سنوات، حيث قامت المحكمة بإدانته بـ “محاولة قلب نظام الحكم”، وهي تهمة كان قد برأ منها سابقاً. حوكم وأدين الشيخ علي سلمان بسبب خطابات ألقاها في مناسبات مختلفة، طالب فيها بإصلاحات ديمقراطية وحوار وطني وأكد على النهج السلمي للجمعية، ولكن المحكمة لم تلتفت إلى ذلك.
بعد أسبوعين، فرضت البحرين المزيد من القيود، فقد صادق ملك البحرين على مشروع قانون بتعديلات على قانون الجمعيات السياسية لعام 2005، والذي نص على حظر علماء الدين من الانضمام للجمعيات السياسية والمشاركة في أي عمل سياسي. ينتهك هذا القانون المقيد بالفعل حرية الفرد في العمل السياسي بالتمييز على أساس الانتماء الديني، ولكن من جهة أخرى لا يحد هذا القانون الحكومة البحرينية من تعيين رجال الدين الموالين في مؤسسات وهيئات الدولة، فهناك رجلين دين في مجلس الشورى المعين. كما لم يمس هذا القانون ولا يتوقع أن يؤثر على غير الجمعيات السياسية المعارضة.
من ناحية أخرى، قامت الحكومة البحرينية ببعض التغيرات في هياكل الهيئات الحكومية وترقيات لبعض الشخصيات إلى مناصب قيادية في الدولة بالرغم من اتهامهم بمزاعم انتهاكات حقوق الإنسان في مناصبهم السابقة. في 3 يوليو 2016، أصدر الملك مرسوماً أمر فيه أن تتبع هيئة المعلومات والحكومة الإلكترونية – وهي هيئة حكومية لبيانات ومعلومات المواطنين والمقيميين في البحرين – لوزارة الداخلية. في 13 يوليو 2016، قام الملك بتعيين وترقية 16 مديراً في الداخلية بينهم أسماء وردت مزاعم مؤكدة بتورطهم في التعذيب وانتهاكات حقوق الإنسان.
خطوات حكومة البحرين التصعيدية زادت من الوضع الحقوقي السيء أساساً سوءاً. لا يمكن التنبؤ بالمستقبل الحقوقي في البلاد ولكن الوضع الحالي والإجراءات المتخذة لا تنذر بأي أمل لقيام الحكومة بتنفيذ أية إصلاحات أو بدء حوار فعلي مع المعارضة والقوى الوطنية الأخرى. يجب على حكومة البحرين فوراً إلغاء الإجراءات القمعية التي قامت بفرضها وتوفير مساحة من الحرية لعمل النشطاء الحقوقيين والسياسيين والصحافيين والمجتمع المدني بشكل عام دون انتقام، كما نحث حكومة البحرين على بدء حوار وطني شامل لجميع مكونات المجتمع.