من أهم وأبرز الحركات المطالبة بحقوق الإنسان في التاريخ هي الجنوب أفريقية التي ناضلت لعقود ضد أحد أبشع النظم الدكتاتورية: نظام الفصل العنصري، المعروف بالأبارتيد. حكمت أقلية من البيض، الأكثرية من السكان الأصليين من السود وقامت بفصلهم في مناطق مسيجة وحرمانهم من حقوقهم المكتسبة في حرية التنقل والتعبير والتصويت وغيرها، حيث اعتبر البيض أنفسهم فئة أرقى عرقاً، وكان تعاملهم مع الأعراق الأخرى، خاصة السود، بتعالي وباستحقاق، وبالتالي قاموا بالسيطرة على مقدرات الدولة وثرواتها.
سنوات بعد إنهاء نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، ثارت الشعوب العربية على حكامها عقب سنوات طويلة من القمع. في البحرين، خرج الشعب في 14 فبراير ليطالب بالديمقراطية ونظام سياسي عادل. واجهت الدولة المتظاهرين بالعنف والقمع، وسقط العديد من الضحايا بين قتيل وجريح. ولا زالت البحرين مستمرة في قمع المتظاهرين والمطالبين بالحريات، وبكون الأغلبية شيعية فقد اتبعت الحكومة نظام فصل طائفي طبق لسنوات قبل 2011 وأصبحت قوانينه أكثر مؤسسية ومنهجية منذ 2011 وحتى اليوم.
بإلقاء نظرة عامة على النظامين، يتضح التشابه بينهما، حيث الحكم في النظامين لأقلية على أغلبية من السكان الأصليين. تعامل الأقلية الأغلبية بتعالي وتعتبرهم أقل شأناً وغير مستحقين لحقوقهم المكتسبة. فقد قام نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا بحرمان السود من المساواة في حقوق الإنسان، وهو الأمر ذاته الذي يقوم به نظام الفصل الطائفي في البحرين.
قامت حكومة الفصل العنصري بدفع المواطنين السود خارج بلادهم وتجريدهم من هوياتهم الوطنية بسحب جنسياتهم وطردهم من البلاد. في عام 1970، أصدر النظام قانون “Black Homeland Citizenship Act 26” والذي سمي لاحقاً بقانون السود للجنسية والقانون الوطني للجنسية. استخدم القانون في تجريد المواطنين السود من جنسياتهم وطردهم إلى أحد المناطق العشرة التي أنشأتها دولة الفصل العنصري. بناءً على مواد القانون الأفراد الذين تمت إسقاط جنسياتهم لا يمكنهم العمل والعيش في جنوب أفريقيا، كما لا يمكنهم العيش في المنازل التي ورثوها عن آبائهم في المدن إلا بإذن من الحكومة. يتشابه الأمر إلى حد كبير في ظل النظام الطائفي في البحرين، حيث عمدت الحكومة إلى سحب جنسيات المعارضين والنشطاء من طائفة معينة إما بقرار إداري أو حكم قضائي من المحكمة. فبموجب تعديلات يوليو 2014 على قانون الجنسية لعام 1963، قامت الحكومة بتمكين المحاكم الجنائية من إسقاط جنسيات المتهمين حيث يمكنها إسقاط جنسيات المواطنين تحت ذريعة كونهم يشكلون تهديداً أمنياً. أسقط النظام الطائفي البحريني الجنسية عن 260 شخصاً، 208 منهم سحبت جنسياتهم في 2015 فقط. إسقاط الجنسية في ظل نظام الفصل الطائفي يطبق مع غياب محاكم عادلة وتعرض المعتقلين للتعذيب وإساءة المعاملة لإجبارهم على الاعتراف. كالسكان الأصليين السود الذين سحبت جنسياتهم في نظام الفصل العنصري، يتعرض هؤلاء البدون أو المسقطة جنسياتهم للتمييز والحرمان من حقوقهم كمواطنين حيث أن السلطات تصادر هوياتهم ويصبحون بلا هويات أو لا يمكنهم استخدامها قانونياً، كما يتم حرمانهم من الخدمات الطبية والمصرفية ويمكن أيضاً أن يخسروا منازلهم. بالإضافة لذلك، قامت السلطات البحرينية بترحيل على الأقل ستة من البدون المسقطة جنسياتهم، جميعهم من الطائفة الشيعية.
لم يمنح نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا حق التصويت إلا للأقلية من البيض على الرغم من تشكيلهم 9% من مجموع السكان. حق التصويت العادل من المطالب الأساسية للمعارضة في البحرين، فبينما تسمح البحرين لمواطنيها بالتصويت، يقتصر التصويت على انتخاب أعضاء البرلمان الذي يملك سلطات محدودة جداً، تكاد تكون معدومة، ولإحكام سيطرتها على البرلمان، قامت الدولة بترسيم دوائر انتخابية غير عادلة، لتجعل قوة الصوت في المناطق السنية تفوق تلك في المناطق الشيعية بهامش كبير، وبذلك تضمن الحكومة أن لا يحصل الشيعة وجمعياتهم السياسية على أغلبية المقاعد في البرلمان وتتمكن بالتالي من تهميشهم. كما في نظام الفصل العنصري، بدأت حكومة البحرين باستبعاد طائفة بأكملها من الحكم بشكل شبة كامل، حيث أن أعداد الشيعة في الحكومة الحالية قليلة بالنسبة لفئة تشكل الأغلبية من السكان، كما يعطى الشيعة وزارات خدمية ولم يكلف أي وزير شيعي قط بالوزارات الأكثر أهمية كوزارة الدفاع والداخلية والخارجية، التي تعطى بالغالب لأعضاء من العائلة الحاكمة.
في العصر الحديث، لا تطبق البحرين فقط الإجراءات التي كانت تتبعها حكومة البيض في تقييد حرية التعبير، المتمثلة في الاعتقالات بشكل رئيسي، ولكن نظام الفصل الطائفي يقيد هذه الحرية بتطبيق العديد من القوانين التي تقييدها – على الانترنت مثلاُ، تعتقل نشطاء المواقع الاجتماعية لانتقادهم للحكومة وتستهدف بذلك أفراد طائفة بمعدل أكثر بكثير من الطوائف الأخرى. كما تستهدف السلطات الجرائد ومحطات البث التلفزيونية مع إحكام سيطرتها وفرض رقابة شديدة، في 2015، أغلقت الحكومة قناة العرب الإخبارية بعد يوم واحد من انطلاقتها بسبب استضافتها سياسي شيعي معارض. تقييد حرية التعبير في البحرين يستهدف أيضاً المنابر الدينية لطائفة دون أخرى والممارسات الدينية الشيعية دون غيرها. في 2016 فقط، استدعت الحكومة البحرينية 5 رجال دين شيعة على الأقل للتحقيق معهم بسبب خطابات ألقوها في مناسبات دينية.
كما ولم يسمح للطائفة الشيعية بالمطالبة بالحقوق وممارسة حرية التعبير، فاعتقلت السلطات العديد من المدافعين عن حقوق الإنسان والنشطاء السياسيين بغرض تهديدهم ودفعهم للتوقف عن المطالبة بحقوقهم. فمثل نظام الفصل العنصري الجنوب أفريقي لاحقت السلطات المدافعين عن حقوق الإنسان والنشطاء السياسيين وغيرهم بالاعتقالات التعسفية والتعذيب وحكمت عليهم بالسجن لسنوات طويلة بسبب مطالباتهم بالديمقراطية ونظام سياسي عادل، لعل من أبرز الأمثلة اعتقال مجموعة البحرين 13 التي تضم أبرز الحقوقيين والسياسيين وأغلبهم ينتمون لطائفة واحدة، تعرضوا عند اعتقالهم للتعذيب وسوء المعاملة من قبل قوات الأقلية الحاكمة ثم تم الحكم عليهم لما يصل إلى السجن المؤبد. ولازالت السلطات تستهدف النشطاء حتى يومنا هذا.
كان من أبرز ملامح نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، الفصل الفعلي للسود في مناطقهم، حيث منعوا من الخروج من تلك المناطق وذلك لتحديد مخالطتهم البيض. ربما يبدو أن مثل هذه الإجراءات قد لا تنطبق في البحرين ولكن بالتمعن في المناطق البحرينية، نرى أن “النخبة” الحاكمة نجحت منذ توليها الحكم في البحرين، أن تفصل بين الطائفتين الرئيسيتين. الفصل ليس واضحاً للعيان وليست هناك أسلاك شائكة أو أسوار حول المناطق الشيعية، ولكن الفصل واضح، فليس هناك مواطنين من الطائفة السنية في المناطق الشيعية والعكس صحيح. حيث وضعت الحكومة الشيعة في البحرين فيما يعرف بـ “المدن المسيجة” التي تخلق “مجتمعات مسيجة”، يؤدي هذا إلى الفصل بين المجتمعات على أسس مختلفة أبرزها الجغرافي والثقافي والطبقي – يتضح الفصل الطبقي بمقارنة بسيطة بين المدن في توفير الحكومة للخدمات وتطويرها، حيث نجد أن المدن الشيعة دائماً ما تتردى فيها الخدمات الأساسية وترتفع بين ابنائها نسبة البطالة والفقر.
أيضاً، أصدر البرلمان الجنوب أفريقي قانون “Immorality Act” والذي يحرم أي علاقة بين البيض والأعراق الأخرى، ساهم هذا القانون في إضفاء طابع مؤسسي وقانوني على ممارسة كانت قائمة لفترات طويلة. إضفاء الشرعية والمأسسة على الممارسات القمعية هو توجه اتبعته حكومة البحرين ولازالت لتعزيز الفصل. فالتوظيف في القوات الأمنية والجيش طائفي بشكل صريح، حيث تفضل الحكومة توظيف أجانب وافدين من دول أخرى ينتمون للطائفة السنية بدلاً من توظيف مواطنين بحرينيين فقط لكنهم من الطائفة الشيعية. فالقوانين التي تحكم التوظيف تترك ثغرات للحكومة بشكل غير عادل للتوظيف على أساس طائفي. مثال آخر على الفصل الطائفي في البحرين، يتمثل في تمييز الحكومة في الأعمال الخاصة ضد الشيعة، ففي نوفمبر 2013، اعترض بعض أصحاب الأعمال الشيعة لعدم القدرة على استئجار محلات في مركز تجاري جديد في جزيرة المحرق ذات الغالبية السنية. في عام 2011، تمت مقاطعة المحلات الشيعية من قبل الزبائن، كما تمت مهاجمة وسرقة المحلات الشيعية لأكثر من 60 مرة، دون محاسبة للمتورطين في هذه الجرائم التي كانت مدعومة من أفراد من الشرطة.
تتشابه الأنظمة القمعية عبر التاريخ في انتهاكاتها لحقوق الإنسان المكتسبة، ربما تختلف الطرق ولكن الإطار الحقوقي للقمع يتشابه إلى حد كبير. نظام الفصل العنصري ونظام الفصل الطائفي وجهان لعملة واحدة، استبدل فيها البيض بالنخبة الحاكمة من عائلة آل خليفة وتمثل السود في طائفة تشكل الأغلبية في البلاد. مع اختلاف الزمان والظروف، تستمر هذه الأنظمة بالنشوء، تكاد تبدو أقل استبداداً في ظاهرها ولكنها أشد قمعاً في تفاصيلها.