في 13 أبريل 2025، بدأت البحرين في استضافة سباقها العشرين لجائزتها الكبرى للفورمولا 1 على حلبة البحرين الدولية في الصخير، في حدثٌ يُروّج له مجددًا كاحتفالٍ بالرياضة العالمية ومصدر فخر وطني. لكن بالنسبة للعديد من المدافعين عن حقوق الإنسان، لا يُمثّل هذا الحدثُ المهمّ تقدمًا، بل يُمثّل عقدين من تبييض صورة البحرين في سباقات الفورمولا 1، أي استخدام الأحداث الدولية لتلميع صورة الحكومة، بينما تستمرّ الانتهاكات الجسيمة خلف الكواليس.
وقبيل نسخة 2024 من السباق، وقّعت أكثر من 20 منظمة حقوقية – من بينها فريدوم هاوس، ومركز البحرين للحقوق والديمقراطية (BIRD)، ومنظمة أمريكيون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في البحرين (ADHRB) – رسالة مفتوحة موجهة إلى الرئيس التنفيذي للفورمولا 1، ستيفانو دومينيكالي، تحثه فيها على الاعتراف بدور الفورمولا1 في إضفاء الشرعية على القمع. فكانت الرسالة واضحة: إذا أرادت فورمولا 1 الادعاء باحترامها لحقوق الإنسان، فلا يمكنها الاستمرار في غضّ الطرف عن انتهاكات حقوق الانسان. ووصفت الرسالة السباق بأنه “صرفٌ للأنظار عن القمع”، ودعت إلى التواصل مباشرةً مع الضحايا، وتوخّي العناية الواجبة، والكفّ عن إضفاء الشرعية عن نظامٍ تعسفي.
بينما تُروّج الحكومة البحرينية لسباق الجائزة الكبرى باعتباره رمزًا للانفتاح والحداثة، فإن واقع الكثيرين داخل البلاد أبعد ما يكون عن هذه الصورة. تواصل جماعات حقوق الإنسان توثيق الاعتقالات التعسفية والتعذيب والمحاكمات الجائرة، لا سيما تلك التي تستهدف من يُعارضون الحكومة. حتى مطلع عام 2025، لا يزال 26 شخصًا على الأقل ينتظرون تنفيذ حكم الإعدام، وكثير منهم حُكم عليهم بتهمة الاحتجاج أو انتقاد السلطات. من بينهم محمد رمضان وحسين موسى، اللذين أُدينا استنادًا إلى اعترافات يُزعم أنها انتُزعت تحت التعذيب.
من القضايا الخطيرة التي تكشف عن مدى استهداف الأطفال، قضية الفتى القاصر محمد عيسى خاتم، الذي اعتُقل في سن 16 عامًا. تعرض خلال اعتقاله للاختفاء القسري، واحتُجز في الحبس الانفرادي، وتعرض للتعذيب ومنع من التواصل مع محاميه وأسرته. حُكم عليه بالسجن سنة مع غرامة قدرها 500 دينار بحريني، وأُفرج عنه في 20 مارس 2025 ضمن نظام العقوبات البديلة، رغم أنه لا يزال متهمًا في عدة قضايا أخرى. قصته ليست استثناءً، بل واحدة من العديد من الحالات التي تؤكد اتساع رقعة القمع لتشمل حتى الأطفال.
علاوة على ذلك، لم يقتصر الأمر على تقييد المجتمع المدني فحسب، بل تم سحقه عمدًا. تُفرض رقابة مشددة على المنظمات المستقلة: يُطلب منها التسجيل لدى الدولة، والحصول على موافقة مسبقة على كل نشاط، وتعمل تحت مراقبة مستمرة. وقد تم حظر الجماعات السياسية بشكل كامل، وتم القضاء فعليًا على مساحة الاحتجاج السلمي. بالاضافة الى ذلك، لا يزال ناشطون مثل الدكتورعبد الجليل السنكيس وعبد الهادي الخواجة خلف القضبان، يقضون أحكامًا طويلة بالسجن، ويُحرمون من الرعاية الطبية، ويتعرضون، بحسب التقارير، لمعاملة مهينة. هذه ليست مجرد حالات فردية، بل جزء من محاولة أوسع لإسكات الأصوات المنتقدة والقضاء على أي شكل من أشكال المعارضة. وقد انتقد المراقبون الدوليون، بمن فيهم الأمم المتحدة، البحرين مرارًا وتكرارًا، لكن حملة القمع لا زالت مستمرة.
في عام 2014، قدّمت منظمة أمريكيون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في البحرين (ADHRB) شكوى رسمية إلى نقطة الاتصال الوطنية البريطانية (NCP) بموجب إرشادات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية للشركات متعددة الجنسيات، متهمةً إدارة شركة فورمولا 1 والشركات التابعة لها بالمساهمة في انتهاكات حقوق الإنسان المستمرة في البحرين. ووضحت الشكوى أن الشركات المعنية، بمضيها قدمًا في تنظيم السباقات خلال حملة القمع التعسفية التي شنتها البحرين على الاحتجاجات المؤيدة للديمقراطية، قد ساهمت – سواءً عن قصد أو عن غير قصد – في تمكين المزيد من الانتهاكات وتعزيز الإفلات من العقاب. كما زعمت أن الفورمولا 1 فشلت في تأمين العناية الواجبة الهادفة بحقوق الإنسان أو اتخاذ خطوات للتخفيف من الضرر المرتبط بعملياتها. وكان الهدف هو إشراك المنظمين في حوار وساطة من شأنه أن يحمي مصالح الشركات وحقوق الشعب البحريني.
على الرغم من التزام الفورمولا 1 العلني باحترام المعايير الدولية لحقوق الإنسان ووضع سياسة للعناية الواجبة، إلا أنه لم تُتخذ أي خطوات جادة لتنفيذ هذا الوعد. وبعد أكثر من عقد من الزمن، لا تزال السباقات تُنظّم، لكن دون وجود أي ضمانات حقيقية.
في الوقت نفسه، يواصل السباق التوسع. يشاهد العالم. تلتقط الكاميرات مشاهد العرض. الألعاب النارية، الإعلام، رعايات السباق – المشهد خالي من العيوب، مثالي. لكن خلف الحلبة، هناك واقع مختلف تمامًا. النشطاء في السجون. العائلات تنتظر عدالة قد لا تأتي أبدًا. لقد أصبح سباق الجائزة الكبرى أكثر من مجرد منافسة رياضية. إنه وسيلة لتحويل الأنظار بعيدًا عما يجري على الأرض.
مع مرور عشرين عامًا على استضافة البحرين لسباقات الفورمولا 1، تتسع الفجوة بين ما يُعرض وما يُخفى أكثر حدة من أي وقت مضى. ما يراه العالم هو احتفال. أما ما يعيشه كثير من البحرينيين فهو خوف، وفقدان، وإحباط. ما لم تكن الفورمولا 1 مستعدة لتحمل مسؤوليتها تجاه الأماكن التي تقيم فيها سباقاتها والشركاء الذين ترتبط بهم، فإنها تخاطر بأن تصبح جزءًا من المشكلة، لا جزءًا من الحل.