برزت المملكة العربية السعودية كلاعب محوري في الساحة الرياضية العالمية، ليس بفضل إنجازاتها الرياضية، بل بفضل استغلالها المدروس للفعاليات البارزة لتحسين صورتها الدولية. تُعرف هذه الممارسة بـ”التبييض الرياضي”، وهي توظيف استراتيجي للشركات والفعاليات الرياضية لصرف الانتباه عن انتهاكات حقوق الإنسان المستمرة وتعزيز سمعة التقدم والحداثة. شمل التوسع السريع للمملكة العربية السعودية في المجال الرياضي استثمارات في رياضة التنس، واستضافة كأس العالم لكرة القدم 2034، استضافة سباقات الفورمولا 1 في جدة، حيث من المقرر أن يُقام سباق الجائزة الكبرى المقبل في الفترة من 18 إلى 20 أبريل 2025. تُشكل هذه المبادرات جزءًا من استراتيجية أوسع تقودها الدولة لإعادة تشكيل الصورة الدولية في ظل استمرار القمع في الداخل.
يبرز سجل المملكة العربية السعودية المقلق للغاية في مجال حقوق الإنسان مدى إلحاح التدقيق في هذه الاستراتيجية. ففي عام 2024، نفذت المملكة 330 عملية إعدام، وهو أعلى رقم مُسجل منذ 30 سنة. وقد أُدين العديد ممن أُعدموا في محاكمات افتقرت الشفافية أو الإجراءات القانونية الواجبة، وبعضهم أُعدموا بتهم تتعلق بالمعارضة السياسية. وتشمل البنية التحتية القانونية التي تُمكّن من هذا القمع قانون العقوبات لعام 2014 لجرائم الإرهاب وتمويله، الذي يُجرّم أفعالًا مُعرّفة بشكل غامض مثل “الإخلال بالنظام العام” أو “الإضرار بسمعة الدولة”. وتُستخدم هذه الأحكام بشكل روتيني لإسكات المعارضة السلمية. فالمحكمة الجزائية المتخصصة، التي أُنشئت في الأصل للنظر في قضايا الإرهاب، تستهدف الآن بشكل متكرر النشطاء والمنتقدين عبر الإنترنت. حتى التعبير الرقمي مُجرّم، فقد تلقى أفراد أحكامًا بالسجن لعقود بسبب منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي. ويتناقض هذا القمع الممنهج بشكل حاد مع جهود المملكة لتصوير نفسها كمجتمع حديث ومتسامح من خلال الرياضة الدولية.
من أبرز الأمثلة على هذا التناقض هي دوري أبطال إيطاليا، الذي عادت فعالياته إلى الرياض في يناير 2025. وقد شهدت هذه البطولة مشاركة أربعة من أفضل أندية إيطاليا – إنتر ميلان، وإيه سي ميلان، ويوفنتوس، واتلانتا – ليتوج وإيه سي ميلان بالبطولة في النهاية. ولم يكن حضور أشهر فرق كرة القدم الإيطالية في المملكة العربية السعودية محض صدفة، بل كان نتيجة اتفاقية تجارية طويلة الأمد. جلبت الصفقة الأصلية، التي تم توقيعها في سنة 2018 بين دوري الدرجة الأولى الإيطالي ووزارة الرياضة السعودية، بطولة كأس السوبر إلى الرياض في سنة 2019 و2020. وبسبب جائحة كوفيد-19، أقيمت النسختان التاليتان في إيطاليا، مما أخر التنفيذ الكامل للاتفاقية. في عام 2023، تم تجديد الاتفاقية، وأقر لعب أربع دورات إضافية في المملكة العربية السعودية على مدار ستة مواسم. مع استضافة دوري 2024 و2025 بالفعل في الرياض، وسيقام دورتان إضافيتين من الدوري الإيطالي هناك في السنوات الأربع المقبلة. تبلغ قيمة الصفقة المحدثة 92 مليون يورو، حيث تدفع الرياض 23 مليون يورو لكل نسخة. ومن هذا المبلغ، يذهب 6.8 مليون يورو إلى دوري الدرجة الأولى الإيطالي، ويتم تقسيم المبلغ المتبقي البالغ 16.2 مليون يورو بين الأندية الأربعة المشاركة.
كان المبرر السياسي لهذه الشراكة مثيرًا للجدل. دافع وزير الرياضة الإيطالي، أندريا أبودي، عن الصفقة زاعمًا أنها تُساهم في “الديمقراطية والاحترام”. وتعرضت تصريحاته لانتقادات واسعة، لا سيما عند مقارنتها بالقمع السعودي الموثق. ويتجلى التناقض بشكل أوضح عند النظر إليه في ضوء انتقادات رئيسة الوزراء السابقة جورجيا ميلوني: فبينما كانت في المعارضة، وصفت الاتفاقية الأصلية لعام 2018 بأنها “عار”. إلا أن حكومتها، منذ توليها منصبها، لم تلتزم الصمت بشأن تجديد الاتفاقية فحسب، بل رفعت أيضًا حظرًا على مبيعات الأسلحة إلى السعودية، مما أجاز تصدير أسلحة بقيمة 363 مليون يورو في عام 2023 وحده.
باستثناء بعض الأصوات الناقدة في المجتمع المدني والشخصيات السياسية المنعزلة، كان رد الفعل المؤسسي الإيطالي على هذه الشراكة خافتًا بشكل مثير للقلق. يعكس تطبيع المملكة العربية السعودية كشريك تجاري ودولة مضيفة لأحداث رياضية أوروبية كبرى توجهًا أوروبيًا أوسع. استضافت إسبانيا عدة دوريات من “أبطال إيطاليا” في الرياض، وتسعى دوريات أخرى بشكل متزايد إلى إبرام اتفاقيات مماثلة. يكمن السر في بساطة الصفقات المربحة من دون رقابة. لكن هذه الاتفاقيات تقوم على إعطاء هذه الشراكات شرعية دولية لنظام يكتم المعارضة بشكل منهجي وينتهك الحقوق الأساسية. إنها تسمح للمملكة العربية السعودية بصياغة صورة من الانفتاح والحداثة، بينما يظل الواقع – الإعدامات الجماعية، وقمع التعبير، والتمييز القائم على الطبقة الاجتماعية – دون أي اعتراض من شركائها الأوروبيين الجدد.
استضافة السعودية لدوري أبطال إيطاليا ليست مجرد حدث رياضي؛ إنها خطوة مدروسة ضمن استراتيجية لتبييض سمعتها. فمع تحول كرة القدم إلى أداة للقوة الناعمة السياسية، يصبح صمت المؤسسات الديمقراطية أكثر من مجرد تواطؤ غير نشط — بل يصبح تواطؤًا فعليًا. قد تستمر المباريات تسعين دقيقة، لكن عواقبها على حقوق الإنسان والمصداقية ستدوم لفترة أطول بكثير.