عقب حركة 14 فبراير 2011 الشعبية المطالبة بالديمقراطية والحقوق، قامت حكومة البحرين بحملة قمع ضد المتظاهرين والتي نتج عنها العشرات من الضحايا بسبب استخدام السلطات المفرط للقوة، كما اعتقل المئات من المواطنين تعسفاً وتم فصل آخرين من أعمالهم على خلفية هذه الاحتجاجات. تعرضت حكومة البحرين لضغوطات دولية من قبل الحكومات والمنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان، مما حدا بالملك حمد آل خليفة بإنشاء اللجنة البحرينية لتقصي الحقائق للتحقيق في مزاعم هذه الانتهاكات في يونيو 2011.
خلصت اللجنة إلى ارتكاب قوات الأمن البحرينية التابعة لوزارة الداخلية انتهاكات حقوق الإنسان بحق المعتقلين والمحتجزين، بإساءة معاملتهم وتعريضهم للتعذيب بشكل منهجي، مع غياب “التحقيق بسرعة ونزاهة وبشكل كامل فـي العديد مـن الادعاءات المتعلقـة بالتعـذيب وسوء المعاملة وملاحقة من يدعى تورطه في جرائم حقوق الإنسان، وبخاصة نمط الإفلات مــن العقاب عـن وسوء المعاملة وملاحقة من ي التعذيب وسوء المعاملة التي ارتكبها الموظفون المكلفون بإنفاذ القانون في الماضي.”
انتهت اللجنة بتقديم مجموعة من التوصيات من ضمنها إنشاء “جهة دائمة ومستقلة تتولى فحص جميع شكاوى التعذيب أو سوء المعاملة أو الاستخدام المفرط للقوة أو أي شكل آخر من أشكال الإساءة الواقعة على يد السلطات.” تنفيذاً للتوصية قامت حكومة البحرين بإنشاء آليات محلية للإنصاف والتعويض ومحاسبة المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان.
الأمانة العامة للتظلمات:
في يونيو 2012، تم إنشاء مكتب الأمانة العامة للتظلمات كجهاز تابع لوزارة الداخلية مسؤول عن “ضمان الالتزام بقوانين المملكة والمعايير المهنية للعمل الشرطي المنصوص عليها في مدونة سلوك الشرطة” كما “تقوم بإبلاغ الجهة المختصة بوزارة الداخلية لاتخاذ الإجراءات التأديبية بحق المخالفين من منتسبي الوزارة أو إبلاغ النيابة العامة في الحالات التي تشكل جريمة جنائية”. وقد أصبحت الأمانة العامة للتظلمات عضواً في المؤسسة الدولية للأمانات العامة، مما يتطلب من المكتب كحد أدنى أن يكون مستقلاً عن السلطات العامة.
ولكن نجد أن المكتب يفتقر لأهم المعايير، فمجرد كونه تابعاً للوزارة الداخلية السلطة ذاتها الذي أنشئ ليحاسب أعضائها يجعله يفتقد الاستقلالية والشفافية، مما يفقده ثقة الضحايا وهو عنصر أساسي ليعمل بفعالية. وقد عزز هذا الأمر مزاعم متكررة من ضحايا تعرضوا للانتقام من قبل قوات الأمن بعد تقديمهم شكاوى لدى الأمانة العامة للتظلمات – فقد زعم العديد من المعتقلين في سجن جو المركزي تعرضهم للمزيد من التعذيب بعد تقديمهم شكاوى للمكتب بشأن قيام قوات الأمن بتعذيب وإساءة معاملة المعتقلين خلال أحداث مارس 2015. وتعزز عدم استقلالية المكتب وفعاليته، افتقاره لسلطة حقيقة لمحاسبة المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان أو اتخاذ قرارات في قضايا تتعلق بارتكاب عاملين في وزارة الداخلية انتهاكات حقوق الإنسان، حيث تحول القضايا لوحدة التحقيق الخاصة والذي بدورة يتخذ القرار.
تعتبر التقارير السنوية الأخيرة التي أصدرها المكتب عامة بشكل كبير حيث تذكر هذه التقارير فقط عدد القضايا التي تستلمها ونوع الانتهاك ولكن تبتعد عن ذكر ما آلت إليه الشكوى والإجراءات المتخذة والأحكام القضائية وأية تفاصيل أخرى يمكن استخدامها لتقييم فعالية وجدوى عمل المكتب.
بتقييم المكتب على الأرض، نجد أنه استطاع مساعدة عوائل ضحايا الاختفاء القسري، ولكنه لم يذهب أبعد من ذلك بسبب غياب اتخاذه لإجراءات صارمة لإنهاء الانتهاكات المنهجية والمرتكبة على نطاق واسع. ففي حالة الاختفاء القسري مثلاً، لازال المعتقلين يتعرضون للاختفاء من قبل السلطات الأمنية. ينطبق الأمر ذاته على حالات التعذيب وسوء المعاملة سواء في الاحتجاز أو أثناء التحقيق. في مارس 2015، تم توثيق مزاعم مؤكدة بتعرض المعتقلين في سجن جو للتعذيب وسوء المعاملة اللذان استمرا لأسابيع على يد قوات الأمن في السجن، وبالرغم من الإدانات الدولية والأممية لهذه الأحداث، تبقى الأمانة العامة صامته ولم تعلن حتى عن الإجراءات التي اتخذتها ضد المسؤولين عن هذه الانتهاكات، في الوقت الذي تمت فيه محاكمة 57 معتقلاً والحكم عليهم بسنوات إضافية في السجن على خلفية تهم متعلقة بأحداث سجن جو.
المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان:
في عام 2014، تم تعديل وإعادة تشكيل المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان، كما اتخذت مبادئ باريس مرجعاً قانونياً. وهذا يلزم المؤسسة أن تضمن تعددية العضوية والاستقلالية وتوفير الموارد الكافية وصلاحيات كافية للتحقيق. ولكن لم تنجح المؤسسة في تحقيق هذه المبادئ الأساسية حتى الآن.
نجحت المؤسسة في بعض الحالات في الرد على الضحايا، خاصةً تلك المتعلقة بتوفير العلاج الطبي الملائم للمعتقلين في سجون البحرين، في حين فشلت بشكل كامل في معالجة معظم الانتهاكات الأخرى الملحة كالتعذيب وسوء معاملة المعتقلين والمحتجزين من قبل قوات الأمن. ويرجع ذلك إلى غياب الاستقلالية من الحكومة حيث لازال الملك يعيين أعضاء المؤسسة وهم إما يعملون في الحكومة أو تربطهم علاقات مباشرة معها. كما لا تملك المؤسسة صلاحيات كافية لتكون آلية انصاف فاعلة في البحرين. فقد قدمت منظمة أميركيون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان حوالي 40 شكوى، وبالرغم من متابعتها المتكررة مع المؤسسة، إلا أنها لم تتلقى الرد إلا على شكوى واحدة فقط.
تنتقد تقارير المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان حكومة البحرين لانتهاكها حقوق الإنسان، ومنها: الحق في التجمع والتعبير وعدم التعرض للتعذيب أو غيرة من ضروب سوء المعاملة، ولكنها تفتقر للشفافية اللازمة لذكر تفاصيل الانتهاكات ذات الصلة المرتكبة من قبل السلطات على الرغم من استمرار المنظمات الحقوقية في توثيق وتقديم تقارير عن انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في البحرين. أيضاً، تخفق هذه التقارير في تقديم معلومات تفصيلية وكيفية معالجة الحالات المقدمة لها. ويلاحظ أن أعداد الشكاوى قد انخفضت في 2014 مقارنة بالعام 2013، وحتماً لا يعزى هذا لتحسن وضع حقوق الإنسان في البحرين، ولكنه غالباً بسبب فقدان الشفافية والقدرة على تقديم الحلول مما يجعل الضحايا يترددون في اللجوء لها. ومع أن المؤسسة قامت بتقديم توصيات لمعالجة هذه المسائل، ولكن هذه التوصيات لم تطبق وتم تجاهلها من قبل الحكومة.
في الختام، نجد أنه تشترك الآليتان في العمل على تحسين صورة الحكومة البحرينية في المجتمع الدولي، إما من خلال الاجتماعات الدولية التي تعقدها بشكل مستمر مع الحكومات الأجنبية والمنظمات الغير حكومية الدولية أو من خلال تصريحاتها وبياناتها الداعمة للحكومة والمشيدة بدور “القيادة” والمنتقدة لتقارير انتهاكات حقوق الإنسان المتواصلة. ففي عام 2015، وبعد إصدار منظمة هيومن رايتس ووتش تقرير عن التعذيب في البحرين، قامت المؤسسة الوطنية بتشويه صورة توصيات التقرير الموجهة لبرنامج الأمم المتحدة للمساعدة الفنية المشروطة مع البحرين. خلال الدورة الـ30 لمجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، قامت المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان بانتقاد ومهاجمة البيان المشترك الموقع من 35 دولة عضو في المجلس والذي انتقد انتهاكات حقوق الإنسان في البحرين، واتهمت المؤسسة التقرير واصفةً إياه بأنه مسيس وغير منصف ومبني على معلومات مغلوطة. كما عقد مؤخراً مكتب الأمانة العامة للتظلمات مجموعة اجتماعات مع مسؤولين أوروبيين لتلميع صورة الحكومة من خلال عمل المكتب.
كما نجد إنه وعلى الرغم من الإصلاحات الشكلية لهاتين الآليتين، لم تنجحا في تحقيق أي نجاح يذكر في الوصول إلى الاستقلالية من الحكومة، كما أن افتقارهما للشفافية والمصداقية ساهم في فقدانهما وبشكل كبير ثقة الضحايا وعوائلهم، وبالتالي عدم قدرتهما على تحقيق أهدافهما في حماية وتعزيز حقوق الإنسان ومحاسبة منتهكي حقوق الإنسان وإنصاف الضحايا. يفتقر مكتب الأمانة العامة للتظلمات والمؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان القدرة على التأثير على حالة حقوق الإنسان على الأرض في البحرين وبالنتيجة لا يحصل ضحايا حقوق الإنسان على آليات محلية للإنصاف والشكوى في البحرين، لذلك يستمر منتهكي حقوق الإنسان في التمتع بالإفلات من العقاب.