على مدار عقدين من الزمن، كانت البحرين محطة ثابتة في جدول سباقات الفورمولا 1. ولكن خلف بريق السرعة والمنافسة تكمن حقيقة مقلقة: استغلال البحرين للفورمولا 1 للتغطية على انتهاكاتها المستمرة لحقوق الإنسان. إذ تستخدم الحكومة هذا الحدث الرياضي البارز لتلميع صورتها الدولية، بينما تقوم في الوقت ذاته بقمع المعارضة، وسجن النشطاء، وتقييد الحريات الأساسية.
منذ عام 2004، استضافت البحرين سباق الجائزة الكبرى كرمز للحداثة والتقدم. ومع ذلك، حذّرت منظمات حقوق الإنسان والنشطاء مرارًا من التناقض الصارخ بين مشهد السباق الفخم والمعاناة التي يعيشها المواطنون البحرينيون. فبينما تدر الفورمولا 1 ملايين الدولارات من عائدات الرعاية السياحية، يظل السجناء السياسيون، بمن فيهم أولئك الذين اعتُقلوا لمجرد التعبير عن آرائهم على الإنترنت، خلف القضبان.
شكلت انتفاضة 2011 المطالبة بالديمقراطية لحظة حاسمة، حيث شاهد العالم قمع البحرين الوحشي عن كثب. أدى القمع العنيف الذي مارسته الحكومة ضد المتظاهرين إلى إلغاء سباق ذلك العام. ومع ذلك، ورغم التقارير المستمرة عن الاعتقالات التعسفية والتعذيب وغياب حرية الصحافة، عادت الفورمولا 1 إلى البحرين في العام التالي، ما وجّه رسالة واضحة مفادها أن المصالح التجارية والترفيهية تتفوق على حقوق الإنسان.
الفورمولا 1 ليست مجرد طرف سلبي في هذه المعادلة، بل هي متواطئة. فمن خلال الاستمرار في إقامة السباقات في البحرين دون معالجة سجل حقوق الإنسان في البلاد، تمنح الفورمولا 1 الشرعية لنظام استبدادي. يُستخدم السباق كأداة دعائية لصرف الانتباه عن الانتهاكات، حيث يطغى هدير المحركات على أصوات أولئك الذين يطالبون بالعدالة.
قبل انطلاق سباق جائزة البحرين الكبرى لعام 2024، وجهت أكثر من 20 منظمة حقوقية، من بينها منظمة أمريكيون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في البحرين، رسالة إلى الرئيس التنفيذي للفورمولا 1، ستيفانو دومينيكالي، تحثه على إجراء تحقيق مستقل في انتهاكات حقوق الإنسان المرتبطة بسباقات الفورمولا 1. كما دعت المنظمات إلى الإفراج عن السجناء السياسيين والتزام الفورمولا 1 باستخدام نفوذها لتعزيز حقوق الإنسان. ومع ذلك، تواصل قيادة الفورمولا 1 صمتها، متجاهلة مسؤوليتها الأخلاقية كمؤسسة ذات منصة عالمية.
يملك المشجعون والسائقون والرعاة القدرة على دفع الفورمولا 1 نحو التغيير. يمكن للمشجعين استخدام أصواتهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي لمساءلة الفورمولا 1 والاتحاد الدولي للسيارات بشأن تجاهلهم لقضايا حقوق الإنسان، إضافة إلى مقاطعة المنتجات والفعاليات التي تساهم في التبييض الرياضي. كما يجب على السائقين والفرق اتخاذ موقف، على غرار لويس هاميلتون، الذي سبق أن أثار مخاوف بشأن حقوق الإنسان في البلدان المضيفة. هناك حاجة إلى مزيد من السائقين الذين يرفضون أن يكونوا شركاء صامتين في التبييض الرياضي.
أما الرعاة الذين يستثمرون في الفورمولا 1، فيجب أن يطالبوا بسياسات أخلاقية وشفافية فيما يتعلق بسجلات حقوق الإنسان للدول المضيفة، حيث يمكن للضغوط المالية أن تدفع نحو تغييرات ملموسة. يجب على قيادة الفورمولا 1 اتخاذ موقف حاسم من خلال تكليف جهات مستقلة بإجراء تقييمات لحقوق الإنسان، والمطالبة بالإصلاح من الدول المضيفة، ورفض إقامة السباقات في البلدان التي تشهد قمعًا ممنهجًا.
تفخر الفورمولا 1 بالابتكار والانتشار العالمي والتميز. لكن التميز الحقيقي لا يقتصر على السرعة، بل يشمل أيضًا النزاهة. السؤال ليس ما إذا كانت الفورمولا 1 قادرة على الاستمرار من دون البحرين، بل ما إذا كانت قادرة على الازدهار في حين تغض الطرف عن الظلم. لقد انتهى وقت الصمت. العالم يراقب، وحان الوقت لتثبت الفورمولا 1 أن قيمها تمتد إلى ما هو أبعد من حلبة السباق.