الفورمولا 1 وقضية التبييض الرياضي: ما الذي يمكن القيام به؟

في عام 2004، أعلنت الفورمولا 1 عن سباق جائزة البحرين الكبرى. تصدرت العناوين آنذاك، حيث استضافت البحرين أول سباق من نوعه في منطقة الشرق الأوسط. وحظيت هذه الاستضافة باحتفاء كبير، لدرجة منحها لقب أفضل سباق منظم من قبل الاتحاد الدولي للسيارات. استمرت السباقات في البحرين عبر المواسم، بما في ذلك عام 2010. وبينما كانت البحرين تنال الإشادة الدولية لاستضافتها هذه الفعاليات الرياضية ذات الدلالة الكبيرة، كانت تتكشف خلف الكواليس قضايا أكبر بكثير من مجرد سباق السيارات. قضايا دفعت منظمة أمريكيون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في البحرين  إلى التدخل لضمان أن تكون الفعاليات الرياضية أخلاقية وألا تُمنح الإشادة لأرض يعاني مدنيّوها بصمت. يستعرض هذا التقرير اللحظة المحورية التي نجحت فيها منظمة أمريكيون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في البحرين في دفع الفورمولا 1 وللمرّة الأولى، لوضع سياسة لحقوق الإنسان من شأنها الحد من أي أثر قد تخلفه أنشطتها على قضايا حقوق الإنسان. وعلى الرغم من توصل الطرفين إلى تسوية، استمرت سباقات الفورمولا 1 في شبه الجزيرة العربية، وأجري سباق للمرة الأولى في السعودية عام 2021، وهي دولة تواجه العديد من الانتهاكات على صعيد حقوق الإنسان. بناءً عليه، ستقيّم هذه الورقة الدور المهم الذي لعبته منظمة أمريكيون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في البحرين لضمان عدم استخدام السباقات في البحرين كأداة “للتبييض الرياضي” بهدف تحويل الانتباه عن الانتهاكات التي تجري على نطاق أوسع في البلاد، كما ستقيّم التغييرات التي أجرتها الفورمولا 1 خلال عقد من الزمن عبر مراجعة شاملة لعشر سنوات، بالإضافة إلى ما يمكن تعديله في إرشادات سياسة حقوق الإنسان لتتناسب مع السياق السعودي الحالي.

الخلفية

استحوذت سباقات الفورمولا 1 على اهتمام واسع في عالم الرياضة، حيث يصل متوسط الجمهور العالمي أحيانًا إلى 70 مليون مشاهد. أقيم أول سباق سيارات للفورمولا 1 عام 1950. تعتمد آلية عمل الفورمولا 1 على تنظيم عدد من السباقات في كل موسم تُعرف باسم “سباقات الجائزة الكبرى”. وعلى الرغم من أن بداياتها كانت في أوروبا، إلا أنها توسعت لاحقًا لتشمل أجزاء مختلفة من العالم، مثل الولايات المتحدة والمغرب واليابان وأستراليا. تعود علاقة الفورمولا 1 بالشرق الأوسط إلى السباق الأول الذي استضافته البحرين عام 2004. في ذلك الوقت، أثار عدم استقرار أوضاع حقوق الإنسان في البحرين مخاوف بشأن ظاهرة “التبييض الرياضي” التي تلجأ إليها دول تتجاهل قضايا حقوق الإنسان خلف الكواليس. ففي عام 2004، تعرض الناشط الحقوقي البارز نبيل رجب لمضايقات متكررة، وتم إقفال مركز البحرين لحقوق الإنسان العائد له من قبل الحكومة. وبينما كانت الحكومة البحرينية تقمع المدافعين البارزين عن حقوق الإنسان، كانت في الوقت ذاته تعزّز مكاسبها كأول دولة في الشرق الأوسط تستضيف سباقات الفورمولا 1.

مع استمرار السباقات والمواسم، بدأت منظمة أمريكيون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان باتخاذ إجراءات قانونية ضد الفورمولا 1 عام 2012، حيث كانت شركات بريطانية خاصة تنظم السباقات في ذروة الانتهاكات الحقوقية في البحرين. في أثناء احتجاجات سلمية ضد الحكومة البحرينية، لجأت السلطات إلى العنف، مما أسفر عن مقتل وإصابة العديد من المواطنين البحرينيين. وفي الوقت الذي كانت الشوارع تشهد هذه الفظائع، لقي معتقلون مصرعهم بسبب التعذيب والإهمال خلال احتجازهم من قبل الحكومة. وصلت الهجمات إلى العاملين في المجال الطبي، حيث تعرض الأطباء والممرضون الذين كانوا يقدمون الرعاية في خيام طبية تطوعية للضرب. أدى تمجيد سباقات الفورمولا 1 في دولة تتجاهل حقوق مواطنيها إلى تقديم شكوى بأن الشركات المنظمة لهذه السباقات متواطئة بشكل غير مباشر في انتهاكات حقوق الإنسان في البحرين.

دور منظمة أمريكيون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في البحرين 

تُعد منظمة أمريكيون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في البحرين منظمة لا تبغي الربح تهدف إلى معالجة القضايا التي يعاني منها المدنيون البحرينيون، وتعمل من مقرها في الولايات المتحدة. في السابق، وجهت أربع منظمات غير حكومية رسالة جماعية تشير فيها إلى أن وضع حقوق الإنسان في البحرين لم يتحسن بالقدر الكافي لعودة سباقات الفورمولا 1. إلا أن منظمة أمريكيون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في البحرين تبنّت نهجًا جديدًا بتقديم شكوى إلى نقطة الاتصال المرتبطة بالمملكة المتحدة والتابعة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. وللمرة الأولى، أعلنت الفورمولا 1 التزامها باحترام حقوق الإنسان في البحرين من خلال وضع سياسة لحقوق الإنسان تهدف إلى معالجة الانتهاكات الحقوقية في البلاد.كان نبيل رجب، الناشط المذكور سابقًا والذي تعرض للمضايقات من قبل الحكومة البحرينية في عام 2004، أحد الشخصيات الرئيسية وراء هذا الإنجاز المحوري. ومع ذلك، تعرض للسجن وأُطلق سراحه بعد أربع سنوات في عام 2020.

على الرغم من وضع هذه السياسة، إلا أن تنفيذها من قبل الفورمولا 1 يُعتبر محدودًا للغاية. في الواقع، لا يزال الضحايا يعانون بصمت. ففي سبتمبر من العام الماضي، حُكم على 13 مواطنًا بحرينيًا بالسجن بتهمة ممارسة العنف واستخدام القوة ضد ضباط الشرطة، في سياق مظاهرة سلمية جرت في أبريل 2021. وسط استمرار هذه المعاناة، واصلت منظمة أمريكيون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في البحرين التزامها وانضمت إلى 22 منظمة أخرى في كتابة وتوقيع رسالة موجهة إلى الرئيس التنفيذي الجديد للفورمولا 1، أعادت فيها التأكيد على مخاوفها بشأن انتهاكات حقوق الإنسان في البحرين، رغم تبني الفورمولا 1 لسياسة حقوق الإنسان بعد التقاضي مع منظمة أمريكيون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في البحرين .

وقد دعت الرسالة مرة جديدة إلى ما يلي:

  • امتناع منظمة الفورمولا 1 عن “التبييض الرياضي” لانتهاكات حقوق الإنسان بشكل مستمر.
  • إنشاء لجنة من الخبراء للتحقيق بدقة في الانتهاكات التي تحدث في البحرين.
  • تقييم وإعادة تقييم  لمدى فعالية سياسة حقوق الإنسان.
  • الاعتراف العلني والفعلي بانتهاكات حقوق الإنسان المرتبطة بالسباقات.

إرشادات سياسة حقوق الإنسان للفورمولا 1

في أعقاب تخفيف التأثير الذي قد تحمله نشاطاتها على وضع حقوق الإنسان، وكجزء من التسوية التي تم التوصل إليها، نشرت الفورمولا 1 دليلًا يوضح إرشادات سياسة حقوق الإنسان التي يجب على جميع الدول المستضيفة للمواسم الالتزام بها. يتضمن بيان التزامهم باحترام حقوق الإنسان ثلاث نقاط رئيسية سيتم تلخيصها في هذا القسم. كما سيسعى التقرير إلى ضمان توافق هذه الإرشادات مع المواقع الحالية لسباقات الجائزة الكبرى، بما في ذلك السعودية. النقطة الأولى هي ضمان احترام حقوق الإنسان وحمايتها في سباقات الفورمولا 1 التي تُقام عبر المواسم بما يتماشى مع المبادئ التوجيهية للأمم المتحدة بشأن الأعمال التجارية وحقوق الإنسان. وتشير النقطة الثانية إلى الحاجة لضمان عدم تأثير أنشطة الفورمولا 1 بشكل مباشر على قضايا حقوق الإنسان من خلال إجراء مناقشات فعالة وإيجاد حلول عملية لهذه القضايا، وضمان حماية حقوق الموظفين، خاصة فيما يتعلق بالتمييز وعمالة الأطفال. وتهدف النقطة الثالثة والأخيرة إلى احترام القوانين المحلية مع الالتزام بقوانين حقوق الإنسان.

مراجعة عشر سنوات من الفورمولا 1 في شبه الجزيرة العربية

2014-2024  – نسخة البحرين:

يصادف هذا العام مرور عقد من الزمن على توسيع سباقات الفورمولا 1 بشكل كبير في شبه الجزيرة العربية. ومنذ ذلك الوقت، كانت استضافة الأحداث الرياضية في أراضٍ تُهمل فيها حقوق الإنسان موضوعًا مثيرًا للجدل والنقاش الأخلاقي. لتقييم هذه المسألة، من الضروري العودة إلى بداية هذا العقد، وتحديدًا عام 2014، عندما قدم سباق الجائزة الكبرى في البحرين عرضًا بصريًا مذهلًا لعالم السباقات، حيث أُقيم السباق ليلاً لتوفير ظروف أكثر برودة للمتسابقين. وقد عُرف السباق الأول، الذي شهد معركة محتدمة بين هاميلتون وروزبيرغ، بلقب “المبارزة في الصحراء“، وفاز هاميلتون حينها باللقب.

أدت الاحتجاجات ضد إقامة السباقات في البحرين عام 2011 إلى إلغاء سباق الجائزة الكبرى في ذلك العام، فقامت الحكومة بحملة من العنف لقمع الاحتجاجات المؤيدة للديمقراطية من أجل إسكات النشطاء، وفي المقابل تقديم ترحيب حار للسياح ومتابعي موسم الفورمولا 1. أدّت هذه الحملة إلى مقتل متظاهرين، واعتقالات تعسفية، وتعذيب مئات الأشخاص.

امتدت هذه القضايا إلى ما بعد أحداث 2011، حيث استمر اضطهاد الأبرياء بشكل منتظم لدرجة أن منظمات مثل “RefWorld” وصفت البحرين بأنها أزمة حقوق إنسان شاملة.

فيما يلي ملخص لأبرز القضايا الحقوقية التي تواجهها البحرين:

قيود صارمة على حرية التعبير

لا تقتصر هذه القيود على المواطنين فقط، بل تمتد إلى وسائل الإعلام. ينص الدستور صراحةً على أن:
“شريطة ألا تُنتهك المعتقدات الأساسية للعقيدة الإسلامية، وألا تتعرض وحدة الشعب للخطر.”
يمكن لأي فرد تعتبره الحكومة مخالفًا لهذا النص أن يُحاكم بموجب قوانين جزائية تصل إلى السجن لمدة سبع سنوات.

خصصت منظمة أمريكيون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان على موقعها الإلكتروني قسمًا خاصًا بتوثيق الاضطهاد، يوضح ويُحدّث باستمرار حالات السجن والتعذيب التي يتعرض لها الأفراد الذين تُعتبر أفعالهم “انتهاكًا لهيبة الدولة”.
وتُعاني وسائل الإعلام من قيود ورقابة حكومية مشددة، حيث تتمكن وزارة شؤون الإعلام من مراقبة وإدارة التقارير الإعلامية التي تسمح للجمهور بالوصول إلى بعض المعلومات المتعلقة بالدولة.

القيود على حرية التنقل وحق مغادرة البحرين

أحد أبرز قضايا حقوق الإنسان التي ربما أثارت التقاضي والجدل حول السماح بإقامة سباقات الفورمولا 1 في البحرين هو قمع المعارضة السياسية المستمر في البلاد. تُواصل البحرين استهداف المعارضة السياسية وقمع الاحتجاجات السلمية. حيث يتم بشكل متكرر سجن أو إخفاء النشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان. هذه القيود تشمل أيضًا الحد من حرية التجمع، حيث يتم اللجوء إلى العنف لتفريق التجمعات العامة. فعلى سبيل المثال، خلال سباق الجائزة الكبرى في البحرين في نوفمبر 2020، الذي كان يصادف الذكرى العشرين للسباق، تم اعتقال نشطاء، من بينهم طفل يبلغ من العمر 11 عامًا، لمشاركتهم في الاحتجاجات.

2014-2024 -نسخة أبو ظبي:

استمر انتشار سباقات الفورمولا 1 في الشرق الأوسط مع استضافة سباق الجائزة الكبرى في أبو ظبي. أقيم السباق الأول في نوفمبر 2009 على حلبة مرسى ياس، وتكررت سباقات الجائزة الكبرى في أبو ظبي حتى تم التوصل إلى اتفاق لمدة 10 سنوات في ديسمبر 2021. بموجب هذا الاتفاق، تستضيف أبو ظبي السباق النهائي لموسم الفورمولا 1 حتى عام 2030، وهو إنجاز كبير يُبرز نجاحات أبو ظبي الرياضية.

وسط هذه النجاحات، يتعرض العمال الذين يعملون على بناء الحلبات وضمان جاهزيتها للمشاهدين والسياح لمخاطر تهدد حياتهم. فهم يعملون في ظروف مناخية قاسية دون حماية كافية.

 2014-2024 – نسخة السعودية:

بالنسبة للسعودية، يمكن التعمق أكثر في دور الفورمولا 1 في تطبيع الانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان أو التعتيم عليها، لا سيما فيما يتعلق بالأقلية الشيعية.

أثارت السباقات التي أُقيمت لأول مرة في جدة عام 2021 جدلًا واسعًا حول استخدام الرياضة لتبييض سجل حقوق الإنسان. الحلبة الأسرع في الشوارع والديكور البصري المبهر لم ينجحا في صرف الأنظار عن العنف وسفك الدماء في البلاد. ورأى كثيرون أن سباقات الفورمولا 1 تؤدي إلى زيادة العنف،  فقد تم إعدام أكثر من 1000 شخص على مدار العقد الماضي. وفي عام 2022، أُعدم 81 شخصًا في آن معاً، قبل يوم واحد فقط من إقامة سباق الجائزة الكبرى، وقتل نصفهم لانتمائهم الديني إلى الطائفة الشيعية.

يُعد هذا الأمر مقلقًا للغاية، إذ أن المشاهدين والمتسابقين والسياح يستمتعون بمشاهدة سباقات الجائزة الكبرى في جدة، بينما يُقتل المدنيون الأبرياء بلا هوادة لمجرد ممارستهم شعائرهم الدينية أو التعبير عن آرائهم. من الضروري النظر في معاناة الأقلية الشيعية في السعودية في هذا السياق. فبالرغم من أنهم يشكلون ما بين 5-10% فقط من إجمالي السكان، إلا أنهم غالبًا ما يُعاملون كمواطنين من الدرجة الثانية ويُستهدفون بالمضايقات التي تعود جذورها إلى عام 1802. غالبًا ما ترفض الحكومة السماح ببناء المساجد، وتحرم الكثيرين من الحق الأساسي في ممارسة شعائرهم الدينية. وقد زادت التوترات السياسية مع إيران وتأثيرها في العراق المجاور من تفاقم الوضع، خاصة عندما أعدمت الحكومة 37 رجلًا شيعيًا في عام 2015 بتهمة التجسس لصالح إيران.

من خلال التباهي باستضافة سباقاتها في هذه المناطق، تُساهم الفورمولا 1 في تطبيع التمييز ضد الأقليات بسبب ممارساتهم الدينية، وتُعطي الحكومات الضوء الأخضر لمواصلة اضطهادها. وعلى الرغم من أن هذا الرابط قد يُعتبر غير مباشر، إلا أن استخدام التبييض الرياضي يظهر بشكل واضح. فالفعاليات الرياضية البارزة، بمشاركة لاعبين وشخصيات مشهورة مثل لويس هاميلتون، تصرف الانتباه عن الانتهاكات الحقوقية المؤلمة والمستمرة إلى الأضواء الليلية والسيارات السريعة.

في هذا السياق، ولتقييم مدى تطبيق وثيقة سياسة حقوق الإنسان، من الضروري مراجعة الإجراءات المتخذة بعد التقاضي. وقد أثيرت مخاوف عندما استضافت السعودية لأول مرة سباق الجائزة الكبرى للفورمولا 1 في عام 2021، نظرًا لسجلها الطويل في تجاهل قضايا حقوق الإنسان. تشمل الانتهاكات الحقوقية في المملكة ما يلي:

حرية التعبير والمعتقد

يتعرض المواطنون السعوديون ومستخدمي وسائل الإعلام الذين يعبرون عن آرائهم أو ينتقدون الحكومة لعقوبات تشمل أحكام سجن طويلة الأمد. هذه العقوبات تطال بشكل خاص الناشطات والمدافعين عن حقوق الإنسان. حقوق المرأة في السعودية محدودة للغاية وغالبًا ما تخضع لنظام ولاية الرجل.

معاملة طالبي اللجوء والعمال المهاجرين

وجدت منظمة هيومن رايتس ووتش أن حرس الحدود السعوديين يستخدمون أسلحة متفجرة ضد مهاجرين غير مسلحين على مسافة قريبة، بما في ذلك النساء والأطفال.
ورغم ذلك، يعتمد الاقتصاد السعودي بشكل كبير على العمال المهاجرين. إلا أن نظام الكفالة التعسفي يمنح أصحاب العمل سلطة لاستغلال هؤلاء العمال، بما في ذلك مصادرة جوازات سفرهم، وتأخير أو عدم دفع أجورهم.

2014-2024 – نسخة قطر:

تُعد جائزة قطر الكبرى إضافة حديثة لتوسع الفورمولا 1 في الشرق الأوسط، حيث أُقيمت لأول مرة في عام 2021، بموجب اتفاقية لمدة 10 سنوات تضمن استمرار استضافة قطر لسباقات الفورمولا 1 في المستقبل.

اكتسبت قطر دورًا بارزًا في الرياضة الدولية مع استضافتها لكأس العالم لكرة القدم في عام 2022، مما عزز مكانتها العالمية وسلّط عليها الأضواء. ومع ذلك، لم يكن هذا الدور دائمًا محل تمثيل إيجابي.

لطالما كانت حقوق العمال في قطر قضية محورية ومثار جدل ، حتى قبل استضافة سباقات الفورمولا1، حيث كان يتعين على العمال الحصول على إذن من أصحاب العمل للاستقالة أو تغيير وظائفهم، وذلك كجزء من نظام الكفالة، الذي يمنح المواطنين والشركات في العديد من دول الخليج العربي سيطرة كاملة على توظيف العمال ووضعهم القانوني. لحسن الحظ، طرأت تغييرات على هذا النظام في عام 2020، إذ منحت العمال بعض الاستقلالية، مع فترة إشعار تصل إلى شهرين. ومع ذلك، قررت الفورمولا 1 استضافة سباقاتها في دولة لا تزال بحاجة إلى مواصلة إصلاح الأنظمة التقليدية التي تُسيء إلى حقوق ورفاهية العمال الوافدين.

رغم محدودية التقارير المتعلقة بسباقات الفورمولا 1، إلا أن التحضيرات لاستضافة كأس العالم لكرة القدم 2022، التي طال انتظارها، أدت إلى وقوع إصابات ووفيات مرتبطة بالعمل، نتيجة بناء الملاعب والعديد من البنى التحتية السياحية مثل الفنادق ووسائل النقل العام. من المتوقع أن تحدث السيناريوهات ذاتها في سباقات الفورمولا 1 المقبلة في قطر. في الواقع، فقد دعت منظمة العفو الدولية الفورمولا 1 إلى ضمان حماية معايير العمل ودمجها في جميع سباقاتها المستقبلية، في محاولة  لوقف “التبييض الرياضي”.

ما الخطوة التالية؟

في عام 2023، تلقى الرئيس التنفيذي للفورمولا 1، ستيفانو دومينيكالي، رسالة من منظمة أمريكيون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في البحرين و20 منظمة أخرى بشأن استمرار التبييض الرياضي قبل سباق الجائزة الكبرى في البحرين. طالبت الرسالة بتطبيق نفس القرار الذي اتُّخذ بسحب السباق من روسيا على الدول التي تعاني من ركود في تطورات حقوق الإنسان.

إن تنفيذ السياسة الخاصة بحقوق الإنسان التي وضعتها الفورمولا 1 عقب التقاضي كان محدودًا للغاية. قد يكون من المفيد للفورمولا 1 والمنظمات الرياضية الأخرى تبني سياسة لحقوق الإنسان تتضمن العناصر التالية:

العناية الواجبة

قبل الدخول في اتفاقية أو عقد مع أي دولة لاستضافة فعاليات رياضية، من الضروري أن تقوم المنظمة بتقييم قضايا حقوق الإنسان في تلك الدولة. يجب تقييم مدى  توفر حرية التعبير وما إذا كانت حماية المواطنين تمثل أولوية للحكومة. في غياب ذلك، يتعين على الفورمولا 1 رفض النظر في استضافة تلك الدولة لتجنب المشاركة في التبييض الرياضي

تبني ميثاق حقوق الإنسان

هناك العديد من المنظمات غير الحكومية التي توفر قوائم بمبادئ حقوق الإنسان التي يجب الالتزام بها، بما في ذلك المبادئ التوجيهية للأمم المتحدة بشأن الأعمال التجارية وحقوق الإنسان. الالتزام بميثاق قد يضمن التزام الفورمولا 1 بجميع بنوده، وتجنب تحقيق مصالح رياضية فقط.

إجراءات مكافحة الرقابة

تُعد الرقابة قضية شائعة في كل من البحرين والسعودية، ويجب على الفورمولا 1 ضمان إقامة سباقاتها في دول لا تخضع فيها وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي لسيطرة ورقابة الحكومة. فبالإضافة إلى منع تمثيل السباقات والسياق المحيط بها بشكل مناسب على الساحة الدولية، تساهم الرقابة في التغطية على اضطهاد المدنيين الأبرياء.

إشراك السائقين والفرق في قضايا حقوق الإنسان

نظرًا لأن السائقين والفرق المرتبطة بهم تعد شخصيات مؤثرة في المجتمع، ومع الأخذ بعين الاعتبار أهمية ضمان سلامتهم، فإن توعيتهم بالقضايا المتعلقة بالدولة المضيفة وحقوق الإنسان يمكن أن قد يكون له تأثير كبير. تشجيعهم على التحدث عن الظلم والتمييز قد يسلط الضوء على هذه القضايا ويشكل ضغطًا على الحكومات.

إن التزايد المستمر في استضافة الدول المثيرة للجدل في مجال حقوق الإنسان لسباقات الفورمولا 1 أثار مخاوف أخلاقية كبيرة تتعلق بظاهرة “التبييض الرياضي”. تستغل هذه الدول، التي تشتهر بأنظمتها القمعية وانتهاكاتها الجسيمة لحقوق الإنسان، الفورمولا 1 وعالميتها لتحسين صورتها الدولية مع إخفاء مشاكلها الداخلية. ورغم أن الفورمولا 1 تدعي الحياد، إلا أن التقاضي الذي خضعت له كان لحظة حاسمة أثبتت أن الأحداث الرياضية يمكنها ويجب عليها أن تتجاوز الحدود السياسية. يخضع الاتحاد الدولي للسيارات  لرقابة مستمرة، وهو أمر ضروري. يتعين عليه تعزيز العدالة وتحمل المسؤولية، مع الضغط على الدول المضيفة للالتزام بالقوانين الدولية لحقوق الإنسان. في النهاية، يكمن التحدي في تحقيق التوازن بين التوسع العالمي للرياضة ومسؤوليتها الاجتماعية. يمكن تحقيق هذا التوازن من خلال اتباع نهج أكثر شفافية وأخلاقية، يتبنى سياسة تهدف إلى حماية حقوق الإنسان والحفاظ عليها في جميع أنحاء العالم.