تصاعدت من جديد التوترات في سجن جو المركزي في البحرين على خلفية تسجيل حالة وفاة جديدة لمعتقل سياسي بفعل الإهمال الطبي وتقاعس إدارة السجن عن تقديم الرعاية الطبية الدورية والطارئة للسجناء السياسيين. وعلى إثر هذه الحادثة، عادت الاحتجاجات من جديد في صفوف معتقلي الرأي للمطالبة بتحقيق جدي في أسباب الوفاة ووقف انتهاكات حقوق الإنسان الممارسة بحقهم. ولا زالت إدارة سجن جو تصرّ على الضرب بعرض الحائط للمواثيق الدولية التي توصي باحترام حقوق السجناء، مع إصرارها على خطواتها التصعيدية ضد المعتقلين السياسيين، وذلك عبر قطع الاتصالات وعزلهم عن العالم الخارجي.
مساء الجمعة 6 نوفمبر 2024، سقط السجين السياسي حسين أمان في ساحة مبنى السجن رقم 11، مغشيًا عليه. بحسب رواية شهود العيان، اجتمع زملاؤه حوله مسارعين إلى محاولة نجدته واستنجاد القوات الأمنية لإرسال الإسعاف. ورغم أن السجن يفترض أن يكون مجهزًّا للطوارئ وبعيادة دائمة، إلا أن الطاقم الطبي تأخر وصوله عشر دقائق. وبحسب البيان الصادر عن المستشفيات، فإن أمان توفي في أثناء نقله للمشفى، وأنه بعد سقوطه مغشيًا عليه في ساحة التشمّس، تم نقله إلى عيادة المركز، وأجريت له الإسعافات الأولية وعملية الإنعاش الرئوي، وهو ما يتناقض مع تأكيد شهود عيان أن أمان نقل وهو فاقد للوعي، وقد تم إخراج المتواجدين في العيادة بعدما تبيّن أنه فارق الحياة.
أعادت هذه الحادثة تسليط الضوء على التقصير الرسمي في حماية حياة السجناء ومحاسبة المسؤولين عن الإهمال والتقصير في تقديم واجب الرعاية والإسعاف الطبي . إذ هي الثانية خلال هذا العام، بعد وفاة السجين السياسي حسين خليل ابراهيم في مارس الماضي، نتيجة الإهمال الطبي، وفي ملابسات وفاة مشابهة تمامًا. ورغم تكرار هذه الحوادث، فإن إدارة السجن وأجهزة وزارة الداخلية لا تزال تتجاهل فتح تحقيق في أسباب الوفيات المتكررة، ومعالجة مواطن التقصير ومعاقبة المسؤولين عنه. هذا النهج من التعاطي مع ملف السجناء السياسيين، بات يعد ضمن سياسة منهجية تتبعها إدارة السجن أودت بحياة حوالي 20 معتقلًا سياسيًا من العام 2011 وحتى العام 2024.
حسين أمان خسر حياته بعد يومين فقط من الإفراج المؤقت عنه بموجب السجون المفتوحة، وهو المحكوم بالمؤبد على خلفيات سياسية. إلا أن أمان لم ينعم حتى بالحرية المشروطة، فخسر حياته نتيجة الإهمال الرسمي، وهو الذي عانى طوال مدة سجنه من سياسات انتقامية، من بينها الإهمال المتعمد لوضعه الصحي . وقد تناولت منظمة أميركيون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في البحرين، بعضًا من جوانب الإهمال الطبي الذي تعرض له خلال جائحة كوفيد19، بعد انقطاع التواصل معه وتدهور صحته نتيجة إصابته بفيروس كورونا وحرمانه من العلاج.
وفور انتشار الخبر بين السجناء، عم الغضب العارم صفوف المعتقلين الذين أعلنوا الاعتصام المفتوح في المباني 1و6 و7 و8 و9 و10 احتجاجًا على سياسة الموت البطيء التي تمارسها السلطات الرسمية بحقهم. لكن إدارة السجن وبدلًا من فتح تحقيق عاجل ومحاسبة المسؤولين، عاجلت إلى محاولة قمع الاحتجاجات بالقمع المفرط، ما أسفر عن اندلاع مواجهات عنيفة أدت إلى سقوط عدد من الجرحى.
واستقدمت إدارة سجن جو تعزيزات عسكرية لمواجهة السجناء شملت قوات الشغب. وتزامن التصعيد الأمني مع انتشار عسكري مكثف حول السجن خوفًا من تصاعد الأحداث. واقتحمت عددًا من مباني السجن بمسيلات الدموع، تزامنًا مع قطعها التيار الكهربائي عنها، واعتدائها على المحتجين بالضرب. وعلى إثر هذه الاعتداءات، أصيب عدد من المعتقلين بجراح تلقوا على إثرها العلاج، فيما استدعت إصابات بعضهم نقله إلى مشفى. وقد سجلت إصابة بليغة لأحد المعتقلين إثر تعرضه لضرب مبرح بالهروات على رأسه. وقد تحدث الأهالي عن نقل عدد من السجناء في المباني 8 و9 و10 إلى المبنيين 3 و5، فيما ذكر بعض الأهالي أن أبنائهم في مبنى رقم 10 تعرضوا لرش الفلفل بشكل مباشر من دون وجود مواجهات. وإلى جانب الاستنفار الأمني والاقتحامات والتعدي على السجناء، عمدت إدارة السجن إلى حرمان السجناء من وجبات الطعام! وفيما يلي واقع المباني وما تعرض له السجناء:
المبنى رقم6: تم اقتحامه لإنهاء الاعتصام بالقوة، ما أسفر عن جرح ثلاثة سجناء، أحدهم إصابته في الرأس. ومنذ ذلك التاريخ، انقطع التواصل مع السجناء حيث لا معلومات عن أوضاع الجرحى وهل تلقوا العلاج المناسب.
المبنى رقم10: اقتحمته القوات الأمنية مستخدمة الغاز المسيل للدموع والقنابل الصوتية، وقم تم رش الفلفل على وجوه السجناء والتعدي عليهم باستخدام القوة المفرطة، ما أسفر عن تسجيل إصابات بينهم. كما قطعت إدارة السجن الكهرباء والماء وأوقفت توزيع الوجبات يومًا قبل الهجوم.
المبنى 7 و9: تم اقتحام باستخدام نفس الأسلوب العنيف، فيما لا يزال الاعتصام قائمًا في مبنى 7 مع مخاوف من استخدام العنف لفكه بالقوة، وأنباء عن ظروف لاإنسانية يعانيها السجناء في ظل استمرار قطع الماء والكهرباء ووجبات الطعام.
وبحسب المعلومات، فقد تم التفاوض مع السجناء في المبنيين 8 و6 لضمان خروجهم طواعية مقابل عدم تعرضهم للضرب أو الأذى. وقد نقل المحتجون إلى المبنيين 3 و5 وهم مكبلون، وسمح لثلاثة فقط بالاتصال بعائلاتهم، تحت رقابة مشددة وتهديد بعدم فضح ما يجري في السجن. وقد تحدث أحد السجناء عن تقييدهم بشكل دائم، وحرمانهم من أدوات النظافة الشخصية ووسائل قضاء الوقت كالكتب والتلفاز.
المبنى رقم 1: يعيش السجناء المحكومون بالإعدام اسوأ الظروف، وتم قطع الاتصال عن ثمانية منهم بشكل كامل منذ 23 أكتوبر، فيما تم عزل أربعة آخرين بعد فرض عقوبة الحبس الانفرادي ضدهم، ورغم تحركات الأهالي المتواصلة، إلا أن الوضع لا يزال متأزمًا.
وعلى إثر هذه التطورات الخطيرة، خرجت تظاهرات شعبية احتجاجية تنديدًا بالقمع الذي يتعرض له معتقلو الرأي، فيما نفذت عائلات السجناء اعتصامًا أمام مركز أمني في سترة للمطالبة بمعرفة مصير أبنائها، ولا سيما السجناء في مبنى رقم 7 الذين انقطع التواصل معهم بشكل كامل.
عقب حملة القمع باستخدام العنف الشديد، عمدت إدارة سجن جو إلى قطع الاتصالات الخارجية، وهو ما أثار مخاوف أهالي المعتقلين الذين حرموا من معرفة مصير ابنائهم بعد الاعتداءات التي تعرضوا لها، وهو ما دفع بعدد من العوائل للتوجه إلى المؤسسات الحقوقية الرسمية. إذ توجهت العوائل إلى الأمانة العامة للتظلمات والمؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان، حيث قدموا رسائل رسمية يطالبون فيها بالكشف عن مصير أبنائهم وضمان سلامتهم في ظل استمرار انقطاع التواصل معهم منذ اندلاع الاحتجاجات. وفي رسالتهم، توجهت العوائل بنداء عاجل للتحقيق الفوري في الادعاءات المتعلقة باستخدام القوة المفرطة ضد السجناء السياسيين المعتصمين في خمسة مبانٍ داخل السجن، وتمكينهم من إجراء اتصالات فورية دون قيود أو رقابة والتأكد من معالجة جميع المصابين وضمان سلامتهم.
وتصر إدارة سجن جو ووزارة الداخلية البحرينية على مقابلة أي تحرك مطلبي من السجناء السياسيين بالقمع والانتقام الممنهج، وهو ما كان محط إدانة من خبراء الأمم المتحدة. وقد نشر ثلاثة من المقررين الخاصين التابعين للأمم المتحدة على موقعهم الإلكتروني رسالة الادعاء التي أرسلت إلى حكومة البحرين في 12 أغسطس 2024، بشأن تدهور الأوضاع التي يواجهها السجناء السياسيون في سجن جو. جاءت الرسالة على خلفية الحوادث التي وقعت في سجن جو بين 26 مارس 2024 و29 يوليو 2024، عقب الاحتجاجات الواسعة التي اندلعت على خلفية وفاة السجين السياسي حسين خليل إبراهيم، والاعتصام المفتوح في في المباني 3، 4، 5، 6، 7، 8، 9، و10، احتجاجًا على الحرمان من أبسط الحقوق الإنسانية، وسياسة الإهمال الطبي التي أوجت بحياة عدد من المعتقلين. كما تناولت الرسالة الممارسة الانتقامية والإجراءات غير الإنسانية التي عمدت إليها إدارة السجن، بما في ذلك قطع الكهرباء والمياه وإمدادات الغذاء وفرض قيود صارمة على التنقل للمواعيد القانونية والطبية، وعزل الذين يخرجون لموعد طبي أو قضائي بوضعهم مع سجناء جنائيين أجانب، وتعليق المكالمات الهاتفية الأسبوعية، وحرمانهم من الوصول إلى الاحتياجات الأساسية مثل مستلزمات النظافة والملابس والإمدادات الضرورية من مقصف السجن.
تعرب منظمة أميركيون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في البحرين ADHRB عن قلقها بشأن استمرار الإجراءات الانتقامية في سجن جو. وترى أن سياسة الإفلات من العقاب، قد أمنت بيئة يتم فيها حماية المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان. وتحمل ADHRB وزارة الداخلية البحرينية والمؤسسات الحقوقية الرسمية ممثلة بالمؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان والأمانة العامة للتظلمات المسؤولية عما وصلت إليه الأمور في سجن جو، وتطالبها بتحرك جدي وعاجل لوضع حد لهذه الانتهاكات، بدءا من التحقيق في الانتهاكات التي يتعرض لها معتقلو سجن جو ووقف كافة الإجراءات الانتقامية بحقهم، والالتزام بقواعد نيلسون مانديلا لحقوق السجناء وطريقة معاملتهم، وضمان حقوق المعتقلين كافة، وصولا إلى الإفراج عن جميع السجناء على خلفيات سياسية.