نشر ثلاثة من المقررين الخاصين التابعين للأمم المتحدة على موقعهم الإلكتروني رسالة الادعاء التي أرسلت إلى حكومة البحرين في 12 أغسطس 2024، بشأن تدهور الأوضاع التي يواجهها السجناء السياسيون في سجن جو. سلطت الرسالة الضوء على حرمان السجناء من المياه والكهرباء والرعاية الطبية وتقييد حركتهم والحبس الانفرادي والعزل ومنع الاتصال بالعائلة. وكانت منظمة “أمريكيون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في البحرين” (ADHRB) المصدر الرئيس للمعلومات حول هذه الحالات، من خلال برنامج الشكاوى التابع للأمم المتحدة.
رسالة الادعاء، التي وقعها المقرر الخاص المعني بالتعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة؛ والمقرر الخاص المعني بالحق في الغذاء؛ والمقرر الخاص المعني بالحق في التمتع بأعلى مستوى ممكن من الصحة البدنية والعقلية، تناولت الانتهاكات الجسيمة التي تحدث في سجن جو. واستندت الرسالة إلى معلومات قدمتها منظمة (ADHRB)، والتي جُمعت من عائلات 20 سجينًا سياسيًا بحرينيًا في المباني 3، 5، 7، 8، 9، و10، حيث سلطت الرسالة الضوء على المعاملة اللاإنسانية التي يتعرضون لها.
السجناء المذكورون في الرسالة:
المبنى 10: علي محمد جعفر محمد باقر الشويخ، محمد جميل عبدالنبي منصور التوبلاني، سلمان عبدالله مكي عبدالله مكي، محمد عبدالله مكي عبدالله مكي، السيد أسامة علي حسين عباس حسين، محمود سعيد أحمد عيسى عبدالله، وعلي عبدالله علي عبدالعزيز.
المبنى 9: علي رضي حسن سلمان، محمد علي محسن عبدالله بَداو، ومحمد عبدالجليل مهدي جاسم عبدالله.
المبنى 8: محسن علي محسن عبدالله بَداو، رجائي علي محسن عبدالله بَداو، محمد عبدالأمير جبار جعفر المشيمع، عبدالله حبيب عبدالله محمد سوار، وإبراهيم يوسف علي إبراهيم السماهيجي.
المبنى 7: محمد علي رضا حسن عبدالله حبيّل، جاسم أحمد حبيب إبراهيم حسين ضراب، وسجين لم تفصح عائلته عن اسمه.
المبنى 5: حسين علي حسن رضي.
المبنى 3: سجين لم تفصح عائلته عن اسمه.
أثارت رسالة الادعاء هذه مخاوف جدية بشأن الانتهاكات المبلغ عنها التي يواجهها السجناء، واصفةً الظروف بأنها “دون المعايير الدولية” ولا تلبي متطلبات المعاملة الإنسانية والكريمة، مما قد يعرض حياة السجناء للخطر. وقام خبراء الأمم المتحدة بتحديد القوانين الدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان التي يُزعم انتهاكها، وطالبوا حكومة البحرين باتخاذ تدابير فورية. وشملت توصياتهم إنهاء الإجراءات الانتقامية وضمان ظروف احتجاز إنسانية وكريمة ووقف هذه الانتهاكات واستعادة الوصول إلى الغذاء المناسب والنظافة والصرف الصحي والتهوئة والتكييف والاستحمام والمياه النظيفة للشرب – لا سيما بالنظر إلى الحرارة الشديدة في ذلك الوقت – وتوفير الإقامة المناسبة. كما أصرت التوصيات على تقديم الرعاية الطبية المناسبة، بما في ذلك العلاج في مستشفيات مدنية خارج السجن إذا لزم الأمر. ودعوا أيضًا إلى محاسبة المسؤولين عن هذه الانتهاكات.
في هذه الرسالة، تناولت مكاتب الإجراءات الخاصة التابعة للأمم المتحدة الحوادث التي وقعت في سجن جو بين 26 مارس 2024 و29 يوليو 2024، مسلطة الضوء على سوء المعاملة الشديد والإجراءات الانتقامية ضد السجناء المحتجين. جاءت هذه الأحداث عقب اعتصام مفتوح في المباني 3، 4، 5، 6، 7، 8، 9، و10، حيث طالب المعتقلون بالإفراج عن المحتجزين بتهم سياسية وتقديم الرعاية الطبية العاجلة لمن هم في حاجة إليها. بدأ الاحتجاج بعد وفاة السجين السياسي حسين خليل إبراهيم في 25 مارس 2024، والتي نُسبت إلى سنوات من الإهمال الطبي. ردت إدارة السجن على السجناء السياسيين المحتجين بإجراءات غير إنسانية، بما في ذلك قطع الكهرباء والمياه وإمدادات الغذاء وفرض قيود صارمة على التنقل للمواعيد القانونية والطبية وعزل الذين يخرجون لموعد طبي أو قضائي بوضعهم مع سجناء جنائيين أجانب وتعليق المكالمات الهاتفية الأسبوعية وحرمانهم من الوصول إلى الاحتياجات الأساسية مثل مستلزمات النظافة والملابس والإمدادات الضرورية من مقصف السجن. وأدت هذه الإجراءات الانتقامية إلى تدهور شديد في ظروف الاحتجاز للمشاركين في الاعتصام، لا سيما السجناء السياسيين والمحتاجين إلى رعاية طبية في المباني المتضررة.
وفي التفاصيل، في 8 مايو 2024، أفادت التقارير أن حوالي 500 سجين رفضوا تناول الغداء احتجاجًا على صغر حجم الحصص الغذائية وعدم كفايتها. وتصاعدت الأحداث أكثر في 8 يونيو 2024، عندما زُعم أن إدارة سجن جو امتنعت عن تقديم وجبات الطعام للسجناء في المبنى 3.
في 10 يوليو 2024، أفادت التقارير بأن الإدارة قطعت الكهرباء والمياه لأكثر من 12 ساعة يوميًا في المباني المعرضة للاحتجاجات، مما أدى إلى ظروف قاسية خلال أيام الصيف الحارة، حيث تجاوزت درجات الحرارة الـ50 درجة مئوية. وقد وضعت هذه الظروف المعتقلين، خاصة أولئك الذين يعانون من الربو أو أمراض الكلى أو القلب، في خطر أكبر. وفي خضم هذه الظروف القاسية، أفادت التقارير ببدء إضراب عن الطعام من قبل السجناء في المبنى 10.
بالإضافة إلى الحرمان الشديد من الطعام والماء، قطعت إدارة السجن مياه الشرب بالكامل في المبنى 9، مما أجبر السجناء على شرب المياه الملوثة المخصصة للاستخدام المنزلي من المراحيض والحمامات. وزادت الأمور تعقيدًا عندما تم قطع الاتصال بين السجناء وعائلاتهم بالكامل بدءًا من 24 يوليو 2024، مما زاد من معاناة المعتقلين.
أشار المقرّرون الخاصون في الأمم المتحدة أيضًا إلى أن أسر السجناء، وخاصة الأمهات، طلبت تدخل الجهات الحكومية المختصة، بما في ذلك المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان ومفوضية حقوق السجناء والمحتجزين والأمانة العامة للتظلمات. ومع ذلك، تم تجاهل مناشداتهم إلى حد كبير أو قوبلت بوعود غير محققة بتحسين الوضع. علاوة على ذلك، حاولت بعض الجهات الحكومية تشويه حقيقة الأوضاع من خلال تحميل السجناء مسؤولية قطع المياه والكهرباء، وتصويرهم كمذنبين بدلاً من ضحايا. على سبيل المثال، في 18 يوليو 2024، زارت أمهات بعض السجناء سجن جو للإبلاغ عن هذه القضايا. في ردهم، زعم ممثلو السجن أن جميع الخدمات كانت تعمل، واتهموا السجناء بالتسبب بهذه الانقطاعات، زاعمين أن السجناء هم من قطعوا أسلاك الكهرباء، وهددوا بإشراك القوات الأمنية لطرد الأمهات وملاحقتهن قانونياً.
في الرسالة، عبّرت مكاتب الإجراءات الخاصة بالأمم المتحدة عن أعمق قلقها بشأن: “التهديدات الجدية والمتزايدة التي باتت وشيكة على حياة وصحة السجناء، مما يعرضهم – خاصة أولئك الذين يعانون من حالات صحية ويحتاجون إلى رعاية طبية مناسبة – لخطر شديد يهدد حياتهم ويؤدي إلى أضرار لا رجعة فيها، بل وقد تكون عواقبها قاتلة”.
وأكد الخبراء الأمميون أنه “يجب دائمًا معاملة الأشخاص المحرومين من الحرية بإنسانية واحترام لكرامتهم المتأصلة. يجب أن يتاح لهم دائمًا، من بين أمور أخرى، الحق في الحصول على تمثيل قانوني فعال، ورعاية طبية مناسبة، ومراجعة قضائية سريعة لحرمانهم من الحرية في البداية واستمرارًا، وسبل الانتصاف لأي انتهاكات، وإمكانية التواصل مع محامي من اختيارهم وأقاربهم، وأن يتلقوا زيارات من هيئات مستقلة لمراقبة حقوق الإنسان. علاوة على ذلك، يجب أن تكون هناك ضمانات لضمان أن السجناء يمكنهم تقديم طلبات أو شكاوى بأمان، ويجب ألا يتعرضوا لأي مخاطر من الانتقام أو الترهيب أو أي عواقب سلبية نتيجة تقديم طلب أو شكوى”.
ذكر المقررون الخاصون في الأمم المتحدة أن الادعاءات المبلغ عنها، إذا تم إثباتها، قد تشكل انتهاكات، من بين أمور أخرى، للحق في الحياة، وفقًا لما تحميه المادة 3 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمادة 6 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي انضمت إليه البحرين في عام 2006. بالإضافة إلى ذلك، قد تتضمن الادعاءات انتهاكات للحظر المفروض على التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، وفقًا لما تحميه المادة 5 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والمادتين 7 و10 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والمواد 1 و2 و16 من اتفاقية مناهضة التعذيب، التي انضمت إليها البحرين في عام 1998.
علاوة على ذلك، اعتبر المقررون الخاصون في الأمم المتحدة أن هذه الادعاءات قد تتضمن ما يتعلق بالتزامات البحرين بشأن الحق في أعلى مستوى ممكن من الصحة البدنية والعقلية، كما تعترف به المادة 12 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، الذي انضمت إليه البحرين في عام 2007. وقد اعتبر الخبراء أن الحق في الصحة يشمل الرعاية الصحية المناسبة وفي الوقت المناسب، بالإضافة إلى العوامل الأساسية التي تؤثر على الصحة، بما في ذلك الوصول إلى مياه شرب آمنة والتغذية المناسبة.
كما ذكر الخبراء في الأمم المتحدة البحرين بالتزاماتها بموجب المادة 25 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمادة 11(1) من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، اللتينتضمنان الحق في مستوى معيشة مناسب، بما في ذلك الغذاء والملابس والمأوى. علاوة على ذلك، لفتوا انتباه الحكومة البحرينية إلى التعليق العام رقم 12 للجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، الذي يوضح أن انتهاك الحق في الغذاء يحدث “عندما تفشل الدولة في توفير الحد الأدنى الأساسي اللازم ليكون الفرد خاليًا من الجوع.” كما أشاروا إلى التعليق العام رقم 15 للجنة، الذي ينص على أن الدول يجب أن تضمن توفير مياه كافية وآمنة للسجناء والمحتجزين.
بالإضافة إلى ذلك، أشارت الإجراءات الخاصة إلى الحكومة إلى القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء التابعة للأمم المتحدة، والمعروفة بقواعد نيلسون مانديلا، مع الإشارة الخاصة إلى القواعد 18 و22 و42 و43. تؤكد هذه القواعد أن جميع المحتجزين، بغض النظر عن التهم، لديهم الحق في الحصول على غذاء ومياه وصرف صحي بشكل كافٍ من حيث الكمية والجودة. وقد شددوا على القاعدة 22، التي تنص على وجوب توفير غذاء كافٍ من الناحية الغذائية وتوافر مياه الشرب بشكل مستمر.
علاوة على ذلك، ذكّر المقررون الخاصون التابعون للأمم المتحدة البحرين بواجبها المتزايد في حماية حقوق الأفراد في الاحتجاز، مؤكدين أن الالتزام بحماية الحق في الحياة يشمل مواجهة التهديدات المتوقعة والظروف التي تهدد الحياة والتي قد تؤدي إلى فقدان الحياة. وأكدوا للحكومة البحرينية أن هذا الإهمال الطبي يعد تعذيبًا، وهو محظور بشكل مطلق وغير قابل للتقليص، كما هو منصوص عليه في المادة 4(2) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والمادتين 2(2) و2(3) من الاتفاقية المناهضة للتعذيب.
ترحب ADHRB بتعليقات مكاتب الإجراءات الخاصة وتؤكد على قلقها بشأن المعاملة السيئة المروعة وغير الإنسانية والتهديدات التي تشكل خطرًا على الحياة التي يتعرض لها السجناء في سجن جو، والتي تقل كثيرا عنر المعايير الدولية. وتشمل هذه المعاملة السيئة الحرمان من الماء والكهرباء والطعام، والإهمال الطبي، ومنع التواصل مع العائلات.
في ضوء هذه الممارسات غير القانونية والجائرة، تدعو ADHRB السلطات البحرينية إلى الامتثال للمعايير المذكورة أعلاه، وضمان تقديم التعويض الفوري للأفراد المحتجزين، وإنهاء المعاملة السيئة للسجناء في سجن جو. يشمل ذلك استعادة خدمات الماء والكهرباء، وتوفير الإمدادات الغذائية الكافية، والسماح بزيارات العائلات والمكالمات الهاتفية دون تأخير. كما تدعو ADHRB إدارة سجن جو إلى تقديم الرعاية الطبية المناسبة للمحتجزين المحتاجين للرعاية الطبية من دون تأخير. بالإضافة إلى ذلك، تطالب ADHRB بإجراء تحقيقات شفافة ونزيهة في هذه التدابير الانتقامية، ومحاسبة المسؤولين عنها، واتخاذ إجراءات حاسمة لمعالجة ثقافة الإفلات من العقاب المستمرة في البحرين.